فإن قلت: فما الفائدة في ذكر ذلك؟ قلت: تعظيم قتل النفس وإحيائها في القلوب ليشمئز الناس عن الجسارة عليها، ويتراغبوا في المحاماة على حرمتها؛ لأنّ المتعرّض لقتل النفس إذا تصوّر قتلها بصورة قتل الناس جميعاً عظم ذلك عليه فثبطه،......
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فما الفائدة في ذكر ذلك؟ ) أي: في ذكر المذكور من تشديد أمر قتل النفس وإحيائها، وإيراد التشبيهين؟ يُعلم ذلك من الجواب وبيان التصوير المستفاد من التشبيهين، هذا ما عليه كلام الناس، والأظهر أن يكون المشار إليه بذلك تنزيل الواحد منزلة الجماعة، والفاء شاهدة عليه، أي: أن تنزيل الواحد منزلة الجماعة خلاف الظاهر، فما الفائدة في ذلك؟ وكذا قوله في الجواب: "لأن المتعرض لقتل النفس إذا تصور" إلى آخره.
فإن قلت: فما المشار إليه بذلك في التنزيل؟ قلت: قال الواحدي: القتل، أي: بسبب قتل قابيل أخاه فرضنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس وجب عليه القصاص، والظاهر أن المشار إليه تعظيم أمر القتل، وعن بعض المفسرين: وإنما ذكر بني إسرائيل دون الناس لأن الكتاب نزل عليهم بهذا ووجب عليهم، وكانت التوراة أول كتاب نزل فيه تعظيم القتل، وفي كلام المصنف: "المسفرون في القتل لا يبالون بعظمته" إيماء إلى هذا المعنى، وقلت: وفي تخصيص ذكرهم دون الناس إيذانٌ بأنهم أشد تمادياً في الطغيان، والمعني: بسبب هذه العظيمة وبغلتها كتبنا في التوراة تعظيم القتل وشددنا عليهم وأرسلنا رسلنا تتراً، وأنزلنا عليهم البينات توصية فيه لعلهم يرجعون، ثم إن كثيراً منهم بعد هذه التوكيدات لمجاوزون في القتل حده ولا يبالون بعظمته.
قوله: (عظم ذلك) إشارة إلى المتصور، والضمير المستتر في "فثبطه" عائد إلى المتصور، أو إلى العظيم، والضمير المنصوب عائد إلى "المتعرض".