نزلت في قوم هلال بن عويمرٍ، وكان بينه وبين رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عهدٌ، وقد مرّ بهم قوم يريدون رسول اللَّه، فقطعوا عليهم. وقيل: في العرنيين، فأوحي إليه: أنّ من جمع بين القتل وأخذ المال قتل وصلب، ومن أفرد القتل قتل، ومن أفرد أخذ المال قطعت يده لأخذ المال ورجله لإخافة السبيل، ومن أفرد الإخافة نفى من الأرض.
وقيل: هذا حكم كل قاطع طريقٍ، كافراً كان أو مسلماً. ومعناه: (أَنْ يُقَتَّلُوا) من غير صلب، إن أفردوا القتل (أَوْ يُصَلَّبُوا) مع القتل إن جمعوا بين القتل والأخذ.
قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما اللَّه: يصلب حياً ويطعن حتى يموت (أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ) إن أخذوا المال، (أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) إذا لم يزيدوا على الإخافة.
وعن جماعةٍ منهم الحسن والنخعي: أن الإمام مخير بين هذه العقوبات في كل قاطع طريقٍ من غير تفصيلٍ. والنفي: الحبس عند أبى حنيفة، وعند الشافعي: النفي من بلدٍ إلى بلدٍ لا يزال يطلب وهو هارب فزعاً. وقيل: ينفى من بلده،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فأوحي إليه: أن من جمع بين القتل) إلى آخره، وعلى هذا ﴿أَوْ﴾ في الآية للتنويع.
قوله: (أن الإمام مخير بين هذه العقوبات في كل قاطع طريق من غير تفصيل)، قال شارح "البزدوي": نظر هذا القائل أن كلمة ﴿أَوْ﴾ للتخيير حقيقة، فيجب العمل بها إلى أن يقوم دليل المجاز، ولأن قطع الطريق في ذاته جناية واحدة، وهذه الجزية ذُكرت بمقابلتها فيصلح كل واحد جزاء له، فيثبت التخيير كما في كفارة اليمين، والجواب: لا يمكن القول بالتخيير هاهنا، لأن الجزاء على حسب الجناية ويزداد بزيادتها وينقص بنقصانها، قال تعالى: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ [الشورى: ٤٠]، فيبعد أن يُقال: عند غلظ الجناية يُعاقب بأخف الأنواع وعند خفتها بأغلظها، وذلك أن المحاربة تتفاوت أنواعها في صفة الجناية من تخويف، أو أخذ مال، أو قتل نفس، أو جمع بين القتل وأخذ المال، والمذكور في الآية أجزية متفاوتة في


الصفحة التالية
Icon