(ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ) من الجهات الأربع التي يأتي منها العدوّ في الغالب. وهذا مثلٌ لوسوسته إليهم وتسويله ما أمكنه وقدر عليه، كقوله: (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ) [الإسراء: ٦٤].
فإن قلت: كيف قيل: (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ) بحرف الابتداء، (وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) بحرف المجاوزة؟ قلت: المفعول فيه عدّي إليه الفعل نحو تعديته إلى المفعول به، فكما اختلفت حروف التعدية في ذاك اختلفت في هذا، وكانت لغة تؤخذ ولا تقاس، وإنما يفتش عن صحة موقعها فقط، فلما سمعناهم يقولون: جلس عن يمينه وعلى يمينه، وعن شماله وعلى شماله، قلنا: معنى «على يمينه» أنه تمكن من جهة اليمين تمكن المستعلي من المستعلى عليه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (مثل لوسوسته إليهم)، أي: استعمال، أي: استعمال هذه الألفاظ على التمثيل والتخييل، وهو أن يؤخذ الزبدة والخلاصة من المجموع، وهي تسويله ما أمكنه، وقدر عليه، من غير تصور الجهات.
قال القاضي: "من أي وجه يمكنه، كإتيان العدو من الجهات الأربع، ولذلك لم يقل: من فوقهم ومن تحت أرجلهم".
قوله: (وتسويله)، النهاية: "التسويل: تحسين الشيء وتزيينه إلى الإنسان ليفعله أو يقوله".
قوله: ((واستزز)). استفزه الخوف: استخفه، وأفززته، أي: أزعجته.
قوله: (وكانت لغةً تؤخذ)، "لغة": خبر "كان"، و"تؤخذ": صفته.