وعند الشافعي رحمه الله: يمينهم يمين، وقال: معناه أنهم لا يوفون بها، بدليل أنه وصفها بالنكث.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ.
قوله: (وعند الشافعي): قال الإمام: "وعند الشافعي أن يمينهم يمين، ومعنى الآية: أنهم لما لم يفوا بها صارت أيمانهم كأنها ليست بأيمان، والدليل على أن أيمانهم أيمان أنه تعالى وصفها بالنكث".
وقلت: مثله قوله تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (١٠٢) وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [البقرة: ١٠٢]، قال صاحب "المفتاح": "وصف أهل الكتاب في صدره بالعلم على سبيل التوكيد القسمي، وآخره نفاه عنهم حيث لم يعملوا بعلمهم".
ويُمكن أن يُقال: إن في وضع المظهر - وهو قوله: (أَئِمَّةَ الْكُفْرِ) - إشعاراً بأن أيمانهم تلك لم تكن إلا خديعة بالمؤمنين واستهزاء، ولم تكن من الأيمان الحقيقية في شيء، ولكن لما أجري عليها حكم الأيمان الحقيقية بأن قبلت، ورفع عنهم بسببها التعرض بالقتل والنهب، وأمنوا من سائر التبعات، سميت أيماناً، ووصفت بالنكث، نحوه مر في قوله تعالى: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا) [البقرة: ٩]، قال المصنف: "كانت صورة صنعهم مع الله - حيث أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر - صورة صُنع المخادع، وصورة صنع الله -حيث أمر بإجراء أحكام المسلمين عليهم وهم عنده في عداد أخبث الكفرة - صورة صنع الخادع".
فظهر أن اعتداد الأيمان منهم وإن لم يكن حقيقة، إنما هو لأجل فوائد دينية ومصالح منوطة بها، لا أنها أيمان حقيقة، فلما أظهروا النكث ارتفع الاعتداد بها ورجعت إلى ما كانت، فقيل: (إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ)، وهكذا مبني الأيمان، فإنها لقطع الخصومات والمطالبات في الحال، لا أنها مسقطة للحق، وتحصل بها براءة الذمة في المآل.


الصفحة التالية
Icon