[(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) ١٦]
(أَمْ) منقطعة، ومعنى الهمزة فيها التوبيخ على وجود الحسبان، والمعنى: أنكم لا تتركون على ما أنتم عليه، حتى نتبين الخلص منكم، وهم الذين جاهدوا في سبيل الله لوجه الله، ولم يتخذوا وليجة -أي: بطانة- من الذين يصادّون رسول الله ﷺ والمؤمنين، (وَلَمَّا) معناها التوقع، وقد دلت على أن تبين ذلك، وإيضاحه متوقع كائن، وأن الذين لم يخلصوا دينهم لله يميز بينهم وبين المخلصين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ.
تكن هذه الأشياء، أي: يُعذبهم الله بأيديكم، ويخزهم، وينصركم عليهم، ويشف صدور قوم مؤمنين، ويُذهب غيظ قلوبهم، ويتوب الله على من يشاء. وفيه ضرب من التعسف، لأن هذه الحال موجودة من الله تعالى، قاتلوهم أو لم يقاتلوهم، فلا وجه لتعليقها بقتالهم، إلا أن يُقال: هو كقولك: إن تزرني أحسن إليك وأعطي زيداً درهماً، فتنصبه على إضمار "أن"، أي: إن تزرني أجمع بين الإحسان إليك والإعطاء لزيد. والوجه قراءة الجماعة على الاستئناف". تم كلامه.
ويمكن أن توجه قراءة النصب بوجه آخر، وهو أن يُقال: لا شك أن مقاتلتهم سبب لتوهين أمرهم وفل شوكتهم، فتقل بذلك نخوتهم وحميتهم، ويكون ذلك سبباً لاستكانتهم وخضوعهم، فيتدبروا ويتأملوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه على الحق المبين، وأنهم على الباطل والزيغ، فيرجعوا عن كفرهم إلى الإسلام، كما شُوهد من أبي سفيان وعمرو بن العاص وخالد ابن الوليد وعكرمة وغيرهم، عليه قوله تعالى: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) [النصر: ١ - ٣]، هذا هو المراد من كلام المصنف: "ودخول التوبة في جملة ما أجيب به الأمر من طريق المعنى".
قوله: (وليجة - أي: بطانة - من الذين يصادون رسول الله صلى الله لعيه وسلم): عن بعضهم: الوليجة: ما


الصفحة التالية
Icon