وقوله (وَلَمْ يَتَّخِذُوا) معطوف على (جاهدوا)، داخل في حيز الصلة، كأنه قيل: ولما يعلم الله المجاهدين منكم والمخلصين غير المتخذين وليجة من دون الله. والوليجة: فعيلة؛ من: ولج، كالدخيلة؛ من دخل، والمراد بنفي العلم نفى المعلوم، كقول القائل. ما علم الله منى ما قيل في، يريد: ما وجد ذلك منى.
[(ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ) ١٧]
(ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ): ما صح لهم وما استقام "أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ"، يعنى: المسجد الحرام، لقوله: (وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [التوبة: ١٩] وأما القراءة بالجمع: ففيها وجهان: أحدهما: أن يراد المسجد الحرام، وإنما قيل: (مساجد) لأنه قبلة المساجد كلها وإمامها، فعامره كعامر جميع المساجد، ولأن كل بقعة منه مسجد. والثاني: أن يراد جنس المساجد، وإذا لم يصلحوا لأن يعمروا جنسها، دخل تحت ذلك أن لا يعمروا المسجد الحرام الذي هو صدر الجنس ومقدمته، وهو آكد؛ لأنّ طريقته طريقة الكناية، كما لو قلت: فلان لا يقرأ كتب الله، كنت أنفى لقراءته القرآن من تصريحك بذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتخذه الإنسان معتمداً عليه، وليس من أهله، من قولهم: فلان وليجة في القوم: إذا لحق بهم وليس منهم، إنساناً كان أو غيره.
قوله: (وأما القراءة بالجمع): أي: (مَسَاجِدَ اللَّهِ)، كلهم إلا ابن كثير وأبا عمرو.
قوله: (كما لو قلت: فلان لا يقرأ كتب الله، كنت أنفي لقراءته القرآن): فإن قلت: أليس هذا مخالفاً لما سبق في آخر البقرة: أن "الكتاب" أكثر من "الكتب"؟ قلت: بلى، لأن الكلام هاهنا في كتاب واحد- وهو القرآن- لا الجنس، كما أن ظاهر الآية في مسجد واحد،


الصفحة التالية
Icon