فإن قلت: هلا ذكر الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: لما علم وشهر أن الإيمان بالله تعالى قرينته الإيمان بالرسول عليه السلام لاشتمال كلمة الشهادة والأذان والإقامة وغيرها عليهما مقترنين مزدوجين، كأنهما شيء واحد غير منفك أحدهما عن صاحبه، انطوى تحت ذكر الإيمان بالله تعالى الإيمان بالرسول عليه السلام.
وقيل: دلّ عليه بذكر إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة.
فإن قلت: كيف قيل (وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ)، والمؤمن يخشى المحاذير، ولا يتمالك أن لا يخشاها؟ قلت: هي الخشية والتقوى في أبواب الدين، وأن لا يختار على رضا الله رضا غيره لتوقع مخوف، وإذا اعترضه أمران: أحدهما حق الله،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ..
قوله: (لما عُلم وشهر أن الإيمان بالله قرينته الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم)، إلى قوله: (انطوى تحت ذكر الإيمان بالله الإيمان بالرسول): وخلاصة الجواب: أن في الكلام دلالة على ذكره، وليس فيه بيان الفائدة في طي ذكره، ويمكن أن يُقال: إن الكلام لما وقع في عدم استقامة الجمع بين عمارة بيت الله والإشراك بالله، وفي استقامة العمارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه يدعو الناس إلى توحيده وعبادته، لم يذكره، ولكن ذكر لفظاً جامعاً يجمعه ﷺ وغيره، كأنه قيل ما ينبغي لهم أن يعمروا مساجد الله، والحال أنهم شاهدون على أنفسهم بالكفر، وإنما يستقيم ممن يؤمن بالله ويأمر الناس بالإيمان بالله بالعبادة كائناً من كان. والمراد الرسول ﷺ وأصحابه، وهو آكد، لأن طريقه الكناية.
ولما كان الرسول ﷺ داخلاً في لفظة "مَنْ"، لم يحسن أن يُقال: "ورسوله"، ونحوه قوله تعالى: (إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) إلى قوله: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ) [الأعراف: ١٥٨]، كائناً من كان، فإذن الكلام ليس في إثبات نبوته والإيمان به، بل فيه نفسه وعمارته المسجد الحرام واستحقاقه لها.


الصفحة التالية
Icon