كأنها تنعى على الناس ما هم عليه من رخاوة عقد الدين، واضطراب حبل اليقين، فلينصف أورع الناس وأتقاهم من نفسه، هل يجد عنده من التصلب في ذات الله والثبات على دين الله ما يستحب له دينه على الآباء والأبناء والإخوان والعشائر والمال والمساكن وجميع حظوظ الدنيا، ويتجرّد منها لأجله؟ أم يزوى الله عنه أحقر شيء منها لمصلحته، فلا يدرى أي طرفيه أطول؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ.
قوله: (ما يستحب له دينه): "ما" في "ما يستحب" مفعول "يجد"، وفاعل "يستحب" ضمير "أورع" مستتر فيه، و"دينه" مفعوله، و"يتجرد" يجوز أن يكون معطوفاً على "يجد" أو على "يستحب".
قوله: (أم يزوي الله عنه): الجوهري: "زوي فلان المال عن وارثه زياً"، ومنه قوله:
فيا لَقُصيٍّ ما زوى الله عنكم
أي: ما نحي الله وقبضه.
قوله: (لمصلحته): أي: للابتلاء، كقوله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ) [البقرة: ١٥٥]، إلى قوله: (وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة: ١٥٧].
قوله: (أي طرفيه أطول؟ ): قيل: لا تُدرى نسبته من قبل أبيه أطول - أي: أفضل - أم نسبته من قبل أمه، يُضرب عند التحير، هذا قول الأصمعي، وقال غيره: المراد به الذكر واللسان، وقيل: وسط الإنسان: سُرته، أي: طرفه الأسفل أطول أم أعلاه.


الصفحة التالية
Icon