ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ.
وبيانه: أن "نصر" مطلق، وتقييده بحسب كل واحد من الظرفين، فإن الأحوال والظروف كلها تقييدات للفعل المطلق، فإذا قُيد احد بقيد لزم تقييد الفعل به، لأن القيد بيان المراد من المطلق، فيسري منه إلى الآخر. لعل هذا هو المعنى من قول صاحب "التقريب": إذا تقدم فعل مقيد بحال على ظرف، نحو: صليت قائماً في المسجد، فيعتبر في الثاني ذلك القيد. هذا البحث قريب من قولهم المتعقب: الجمع للحمل.
وقيل: عُطف قوله: (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) على (مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ)، على منوال: (وَمَلائِكَتُهُ... وَجِبْرِيل) [البقرة: ٩٨]، كأنه قيل: نصركم الله في أوقات كثيرة، وهي أوقات وقعة بدر وقريظة والنضير وفتح مكة وغيرها، وفي وقت أعجبتكم، فلا يلزم المحذور. فيُقال: المقام لا يساعد عليه، لأن الكلام غير وارد لبيان أفضلية بعض الوقعات على بعض، ولأنه لم يذكر (مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ) توطئة لذكر "يوم حنين"، كما ذكر (وَمَلائِكَتُهُ) توطئة لذكرهما، إذ ليس حنين بأفضل من يوم بدر، وهو فتح الفتوح وسيد الوقعات، وبه نال السابقون الأولون القدح المعلى، وفازوا بالدرجات الأسنى، ولأن المقصود من إفراد الذكر بعد الاشتراك الإيذان بأن هذا الفرد قد خرج من ذلك الجنس بسبب اكتسابه الفضائل والمزايا، وكأنه جنس آخر لتغايره في الوصف.
نعم، يمكن أن يُقال: إن الكلام وارد للامتنان على الصحابة بنصرته إياهم في المواطن الكثيرة، وكانت النصرة في هذا اليوم المخصوص أجل امتناناً، كما شُوهد منهم ما يُنافي النصرة


الصفحة التالية
Icon