قلت: معناه: أنهم جعلوه لهم أعجوبة يتعجبون منها، ونصبوه علماً لهم يوجهون نحوه استهزاءهم وإنكارهم، وليس في "عند الناس" هذا المعنى.
والذي تعجبوا منه أن يوحى إلى بشر، وأن يكون رجلا من أفناء رجالهم، دون عظيم من عظمائهم، فقد كانوا يقولون: العجب أنّ الله لم يجد رسولا يرسله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإنما لم يجز هذا في قولك: كان قائم أخاك، وكان جالس أباك، لأنه ليس في "جالس" و"قائم" معنى الجنسية التي تلاقي معيناً نكرتها ومعرفتها [على ما قدمناه] ".
ومعنى الآية على هذا: أكان الوحي للناس هذا الجنس من الفعل، وهو التعجب.
وقال ابن جني أيضاً: "يجوز مع النفي جعلُ اسم "كان" وأخواتها نكرة، ولا يجوز مع الإيجاب، ألا تراك تقول: ما كان إنسان خيراً منك، ولا تقول: كان إنسان خيرا ًمنك".
والاستفهام في قوله تعالى: (أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً) للتوبيخ، فيفيد معنى النفي.
قوله: (معناه: أنهم جعلوه لهم أعجوبة): فإذن اللام مثلها في قوله تعالى: (هيت لك) [يوسف: ٢٣]، قال أبو البقاء: "اللام متعلق بـ "عجب" للتبيين".
قوله: (أفناء رجالهم)، الجوهري: "يقال: هو من أفناء الناس: إذا لم يعلم ممن هو"، ولم يرد هاهنا حمول نسبه، لأنه صلوات الله عليه كان من الأعلام المشاهير كابراً عن كابر، لكن أريد أنه لم يكن من العظماء والرؤساء، يدل عليه قولهم: (عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف: ٣١]، وقولهم: "يتيم أبي طالب".