إلى الناس إلا يتيم أبى طالب، وأن يذكر لهم البعث، وينذر بالنار، ويبشر بالجنة.
وكل واحد من هذه الأمور ليس بعجب، لأنّ الرسل المبعوثين إلى الأمم لم يكونوا إلا بشر مثلهم، وقال الله تعالى (قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا) [الإسراء: ٩٥]، وإرسال الفقير أو اليتيم ليس بعجب أيضاً، لأنّ الله تعالى: إنما يختار من استحق الاختيار، لجمعه أسباب الاستقلال بما اختير له من النبوّة، والغنى والتقدّم في الدنيا ليس من تلك الأسباب في شيء (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى) [سبأ: ٣٧]، والبعث للجزاء على الخير والشر هو الحكمة العظمى، فكيف يكون عجباً؟ إنما العجب العجيب والمنكر في العقول تعطيل الجزاء.
(أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ): (أن) هي المفسرة، لأنّ الإيحاء فيه معنى القول، ويجوز أن تكون المخففة من الثقيلة، وأصله: أنه أنذر الناس، على معنى: أن الشأن قولنا: أنذر الناس، و (أَنَّ لَهُمْ) الباء معه محذوف، (قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي: سابقة وفضلا ومنزلة رفيعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وأن يذكر لهم البعث): معطوف على محذوف تقديره: لم يجد رسولاً يرسله إلى الناس؛ لأن يدعوهم إلى الله، وأن يذكر لهم البعث، إلا يتيم أبي طالب.
قوله: (والبعث للجزاء): عطف على قوله: "وإرسالُ الفقير"، وهو على قوله: "لأن الرسل المبعوثين إلى الأمم لم يكونوا إلا بشراً" من حيث المعنى، وذلك أن المتعجب منه في قوله: (أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرْ النَّاسَ) ثلاثة أشياء: كون الرسول رجلاً، وكونه بعضاً منهم، وكون المنذر البعث. وأجاب عن كل واحد على سبيل التفصيل وأحسن، لا سيما قوله: "إنما العجب العجيب والمنكر في العقول تعطيل الجزاء"، لكن في قوله: "إنما يختار من استحق الاختيار" بحث.
وعلل نفي التعجب بقوله: "لأن الرسل" إلى آخره، لأن العجب: هو حال يعتري الإنسان من رؤية خلاف العادة.