أو لا يؤملون حسن لقائنا كما يأمله السعداء، أو لا يخافون سوء لقائنا الذي يجب أن يخاف، (وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا) من الآخرة، وآثروا القليل الفاني على الكثير الباقي، كقوله تعالى: (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ) [التوبة: ٣٨]، (وَاطْمَأَنُّوا بِها) أي: وسكنوا فيها سكون من لا يزعج عنها، فبنوا شديداً وأمّلوا بعيداً.
[(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ٩ - ١٠].
(يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ): يسدّدهم بسبب إيمانهم للاستقامة على سلوك السبيل المؤدّى إلى الثواب، ولذلك جعل (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) بيانا له وتفسيرا، لأنّ التمسك بسبب السعادة كالوصول إليها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال القاضي: "يجوز أن يكون العطف لتغاير الفريقين، والمراد بالأولين من أنكر البعث، ولم يُرد الحياة الدنيا، وبالآخرين من ألهاه العاجل عن التأمل في الآجل والإعداد له".
قوله: (يُسددهم)، الأساس: "سد الرجل يسد: صار سديداً، وسد قوله وأمره يسد، وأمره سديد، وتسددهم بسبب إيمانهم للاستقامة على سلوك السبيل المؤدي إلى الثواب"، جعل (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ) بياناً لهن لأن ما يؤدي إلى الثواب كأنه نفس الثواب تنزيلاً للسبب منزلة المسبب، وذلك أن في إيقاع (يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ) خبراً لقوله: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)، وهو عين الهداية، الدلالة على الثواب والاستقامة والمزيد منها، قال تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً) [التوبة: ١٢٤]، ولم تكن الهداية بهذه المثابة إلا أن تكون موجبة للثواب ومستحقة للأجر عندهم، ولذلك قال: "لأن