فوضع (اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ) موضع "تعجيله لهم الخير" إشعاراً بسرعة إجابته لهم وإسعافه بطلبتهم، حتى كأنّ استعجالهم بالخير تعجيل له، والمراد أهل مكة وقولهم: (فأمطر علينا حجارة من السماء) [الأنفال: ٣٢]، يعنى: ولو عجلنا لهم الشر الذي دعوا به كما نعجل الخير ونجيبهم إليه، (لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) لأميتوا وأهلكوا.
وقرئ: "لقضى إليهم أجلهم" على البناء للفاعل، وهو الله عز وجل، وتنصره قراءة عبد الله: "لقضينا إليهم أجلهم".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (إشعاراً بسرعة إجابته لهم)، الانتصاف: "هذا من بديع القرآن، لا ترى العدول من لفظ إلى آخر إلا لمعنى، والنحوي يقول في (أَنْبَتَكُمْ مِنْ الأَرْضِ نَبَاتاً) [نوح: ١٧]: إنه أجرى المصدر على غير فعله، وهذا المصدر لفعل دل عليه هذا الفعل، كأنه قال: "فنبتم نباتاً"، وله فائدة في التحقيق وراء هذا، وهو التنبيه على تحتم القدرة وسرعة نفاذ حكمها، حتى كأن إنبات الله نفس النبات، فقرن أحدهما بالآخر".
وقلت: كان أصل الكلام: "ولو يُعجل الله للناس الشر تعجيله"، ثم وضع موضعه "الاستعجال"، ثم نُسب إليهم، فقيل: (اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ)؛ لأن المراد أن رمته سبقت غضبه، فأريد مزيد المبالغة، وذلك أن استعجالهم الخير أسرع من تعجيل الله لهم الخير، فإن الإنسان خُلق عجولاً، إذا سمع بخير لا يثبت على شيء حتى يسرع إليه، والله صبور حليم؛ يؤخر للمصالح الجمة التي لا يهتدي إليها عقل الإنسان، ومع ذلك يسعف بطلبتهم ويُسرع بإجابتهم.
فإن قلت: كيف اتصال هذه الآية بما قبلها؟ قلت- والله أعلم-: إنه تعالى لما افتتح السورة بقوله: (الم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ)، وذكر تعجب قريش عن إرساله صلوات الله عليه، واختصاصه بالنبوة دونهم، وقولهم تعنتاً وعناداً: (إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ) [يونس: ٢]؛ طعناً في كلامه المجيد، آذن بذلك أن هذه السورة الشريفة محتوية على بيان تكذيب قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإيذائهم لهن وطعنهم فيه، ومشتملة على بيان الآيات الدالة على عظمة الله تعالى وكبرياء شأنه؛