فإن قلت: فكيف اتصل به قوله: (فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ)، وما معناه؟ قلت: قوله (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ) متضمن معنى نفى التعجيل، كأنه قيل: ولا نعجل لهم الشر، ولا نقضي إليهم أجلهم، فنذرهم (فِي طُغْيانِهِمْ) أي: فنمهلهم ونفيض عليهم النعمة مع طغيانهم، إلزاما للحجة عليهم.
[(وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) ١٢].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تنبيهاً وتفريعاً، فجعل قوله: (أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا) إلى قوله: (إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ) [يونس: ٢]، تمهيداً وتوطئة لذكر أصول الآيات وأمهاتها، وهو قوله: (إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ) [يونس: ٣] إلى آخر الآيات بياناً لكبرياء سُلطانه، وأن له أن يختص برسالته من يشاء، وأن المقصود من الإرسال الدعوة إلى معرفة الله، وبيان كيفية عبادته، لأن المبدأ منه والمرجع إليه، ليثيب المحسن ويعاقب المسيء، فقد حصل هذا المقصود من هذا الرسول الكريم والكتاب المجيد، وقطع بهما المعاذير، وأزاح الحجج.
وبين بعد ذلك صفة عفوه وحلمه بهذه الآية، حيث لم يهلكهم بغتة بما تكلموا به من تلك الشنعاء في كتابه المجيد: (إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ)، وفي رسوله المجتبي: "إن الله لم يجد رسولاً يرسله على الناس إلا يتيم أبي طالب"، كقوله تعالى: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ) [فاطر: ٤٥].
قوله: (فكيف اتصل): الفاء تدل على الإنكار، أي: لزم من قضية "لو"، وقولك: " (لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ): لأميتوا وأهلكوا": أنهم ما أهلكوا، بل أمهلوا، ومعنى قوله: (فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا) الإمهال أيضاً، فكيف اتصل به؟