وأن الله قد علم منهم أنهم يصرون على كفرهم، وأن الإيمان مستبعد منهم.
والمعنى: أن السبب في إهلاكهم تكذيب الرسل، وعلم الله أنه لا فائدة في إمهالهم بعد أن ألزموا الحجة ببعثه الرسل.
(كَذلِكَ) مثل ذلك الجزاء، يعنى الإهلاك (نَجْزِي) كل مجرم، وهو وعيد لأهل مكة على إجرامهم بتكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقرئ: يجزى، بالياء.
(ثُمَّ جَعَلْناكُمْ) الخطاب للذين بعث إليهم محمد صلى الله عليه وسلم، أي: استخلفناكم في الأرض بعد القرون التي أهلكنا، (لِنَنْظُرَ) أتعملون خيراً أم شراً، فنعاملكم على حسب عملكم، (وكَيْفَ) في محل النصب بـ (تعملون) لا بـ"ننظر"، لأنّ معنى الاستفهام فيه يحجب أن يتقدّم عليه عامله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
به: أن معنى العلم مستفاد من معنى التأكيد، وأن نفي الإيمان عنهم بهذه الحيثية تابع لسبق علم الله فيهم بأنهم لا يؤمنون، وقوله: "والمعنى أن السبب" إلى آخره: تلخيص لمعنى الآية بحسب العطف لا الاعتراض، فظهر منه أن علم الله ليس سبباً مستقلاً في إهلاكهم، وهو مذهبه.
وأما بيان وجه الاعتراض: فهو أن السبب في إهلاكهم تكذيبهم الرسل، والسبب في التكذيب والإهلاك سبق علم الله أنهم يصرون على الكفر، وانه تعالى مهلكهم، ونحوه في الاعتراض قوله تعالى: (ثُمَّ اتَّخَذْتُمْ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ) [البقرة: ٥١ و ٩٢]، أي: "وانتم قوم عادتكم الظلم"، فرجع مآل التأويل إلى بطلان مذهبه.
قوله: (و (كَيْفَ) في محل النصب بـ (تَعْمَلُونَ): المعنى: لننظر عملكم أهو خير أم شر، إيمان أم كفر؟ وهذا هو الوجه، وقيل: "ننظر" بمعنى "نعلم"، أي: لنعلم جواب كيف تعملون؟ كما ذكر سيبويه في قولك: علمت أزيد عندك أم عمرو؟ والمعنى: علمت جواب ذلك.


الصفحة التالية
Icon