فإن قلت: كيف جاز النظر على الله تعالى، وفيه معنى المقابلة؟ قلت: هو مستعار للعلم المحقق الذي هو العلم بالشيء موجوداً، شبه بنظر الناظر وعيان المعاين في تحققه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبيانه: أن الرسل إذا قالوا للقوم: كيف تعملون؟ أتعملون الخير أم الشر- مثلاً-؟ فإجابتهم: إما بالقول؛ بأن يقولوا: سمعنا وأطعنا، وإما بالفعل؛ بأن يشتغلوا بالعمل، وإما لا يجيبون. وعلى أي وجه كان، فلابد من حصول جواب لقولهم: كيف تعملون؟ فيعلم الله الجواب واقعاً بالفعل حاصلاً، بعدما علم أنه سيحصل. حاصل المعنى يؤول إلى أن المعنى: جعلناكم خلائف في الأرض لنعلم ما تجيبون به الأنبياء من قولهم: كيف تعملون؟
ولما كان "ننظر" بمعنى "نعلم" يكون معلقاً عن العمل فيما بعده، قال ابن الحاجب: "فإذا قلت: علمت أزيد عندك أم عمرو؟ فمعناه: علمت أحدهما معيناً على صفة هو كونه عندكن لأنه ذلك الذي يُقال في جوابه"، فعلى هذا: فإذا قيل: علمت كيف زيد، فمعناه: علمت زيداً على حالة هو كونه صحيحاً أم سقيماً، لأنه ذلك الذي يُقال في جوابه، فإن "كيف يُسأل بها عن الحال.
فمعنى (لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ): نعلم عملكم على أي حال كان من الخير والشر، قال القاضي: "وفائدته الدلالة على أن المعتبر في الجزاء جهات الأفعال وكيفياتها، لا هي من حيث ذاتها، ولذلك يحسن الفعل تارة، ويقبح أخرى".
قوله: (هو مستعار للعلم المحقق)، الانتصاف: "لو اقتصر الزمخشري رحمه الله تعالى على إنكار الرؤية من العبد لله تعالى لقبح، فكيف وقد ضم إليه إنكار رؤية الله للعبد، وليس النظر مستلزماً للمقابلة، وقد أبطل في موضعه".