وقالوا: (لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) أرادوا: آية من الآيات التي كانوا يقترحونها، وكانوا لا يعتدّون بما أنزل عليه من الآيات العظام المتكاثرة التي لم ينزل على أحد من الأنبياء مثلها، وكفى بالقرآن وحده آية باقية على وجه الدهر، بديعة غريبة في الآيات، دقيقة المسلك من بين المعجزات، وجعلوا نزولها كلا نزول، وكأنه لم تنزل عليه آية قط، حتى قالوا: (لولا أنزل عليه آية) واحدة من (ربه)، وذلك لفرط عنادهم، وتماديهم في التمرّد، وانهماكهم في الغيّ.
(فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ) أي: هو المختص بعلم الغيب المستأثر به، لا علم لي ولا لأحد به، يعنى أنّ الصارف عن إنزال الآيات المقترحة أمر مغيب لا يعلمه إلا هو، (فَانْتَظِرُوا) نزول ما اقترحتموه، (إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) لما يفعل الله بكم؛ لعنادكم وجحودكم الآيات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وقالوا: (لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ): والتلاوة: (وَيَقُولُونَ)، وإنما عدل عنه ليؤذن به أن قوله: (وَيَقُولُونَ) ليس معطوفاً على قوله تعالى: (وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا) [يونس: ١٨]، كما يقتضيه ظاهر اللفظ، وإنما هو معطوف على قوله: (قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا) [يونس: ١٥] ما بينهما اعتراض، وأوثر المضارع على الماضي ليؤذن باستمرار هذا القول منهم، وأن هذا القول من دأبهم وعادتهم.
قوله: (أن الصارف عن إنزال الآيات [المقترحة] أمر مغيب): فيه إشارة إلى أن قوله تعالى: (إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا) جواب على الأسلوب الحكيم، فإنهم حين طلبوا إنزال آية واحدة، مع تلك الآيات المتكاثرة، دل على أن سؤالهم للتعنت والعناد، فأجيبوا بما أجيبوا؛ يؤذن بأن سؤالهم سؤال المقترحين يستحقون به نقمة الله وحلول عقابه، يعني: أنه لابد أن


الصفحة التالية
Icon