قرأ زيد بن ثابت: "ينشركم"، ومثله قوله (فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) [الجمعة: ١٠]، (ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) [الروم: ٢٠].
فإن قلت: كيف جعل الكون في الفلك غاية للتسيير في البحر،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (قرأ زيدُ بن ثابت: "ينشركم"): قال صاحب "التيسير": "قرأ ابن عامر: (ينشركم في البر والبحر) بالنون والشين؛ من النشر، والباقون: بالياء والسين، أي: من التسيير".
قوله: (كيف جعل الكون في الفلك غاية؟ ): يعني: أنه تعالى قال: (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ)، والسير في البحر ابتداؤه الكون في الفلك لا غايته؟
وخلاصة الجواب: أنه تعالى لم يجعل ابتداء السير مختصاً بالبحر، بل بالبر والبحر، ولم يجعل الكون في البحر وحده غاية للسير، بل جعل الكون مع ما عطف عليه وما اتصل به غاية للمذكور قبله، كأنه قيل: هو الذي قدر لكم في البر والبحر الرفاهية والرخاء فتنقلبون فيها كيف شئتم، وتسيرون أني أردتم، لا تصيبكم شدة وبأساء، وأنتم مع ذلك لا تذكرون الله ولا تشكرونه بما أولاكم، حتى إذا وقعتم في الضر والشدة التي لا غاية لها دعوتم الله مخلصين له الدين، فوضع موضع هذه الغاية: (إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ) إلى آخره، ليدل على النهاية في الضر، لأنه لا غاية بعدها.
وتلخيصه: أن في ذكر ابر والبحر بيان غاية حالة الرفاهية في السير، وفي اختصاصه بحالة البحر بيان انتهاء حالة الشدة والمشقة، ونحوه في المعنى قوله تعالى: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (٥٣) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) [النحل: ٥٣ - ٥٤].