وتبرؤ شركائهم منهم ومن عبادتهم، كقوله تعالى: (ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ *مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا) [غافر: ٧٣ - ٧٤]، وقرئ: "فزايلنا بينهم"، كقولك: صاعر خدّه وصعره، وكالمته وكلمته.
(ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) إنما كنتم تعبدون الشياطين، حيث أمروكم أن تتخذوا لله أنداداً فأطعتموهم.
(فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ * هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) [٢٩ - ٣٠].
(إِنْ كُنَّا) هي المخففة من الثقيلة، واللام هي الفارقة بينها وبين النافية، وهم الملائكة والمسيح ومن عبدوه من دون الله من أولى العقل، وقيل: الأصنام؛ ينطقها الله عزّ وجلّ، فتشافههم بذلك مكان الشفاعة التي زعموها وعلقوا بها أطماعهم.
(هُنالِكَ) في ذلك المقام، وفي ذلك الموقف، أو في ذلك الوقت -على استعارة اسم المكان للزمان- (تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ): تختبر وتذوق، (ما أَسْلَفَتْ) من العمل، فتعرف كيف هو، أقبيح أم حسن، أنافع أم ضارّ، أمقبول أم مردود؟ كما يختبر الرجل الشيء ويتعرّفه ليكتنه حاله، ومنه قوله تعالى (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) (الطارق: ٩).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (تختبر وتذوق... فتتعرف): فالابتلاء على هذا مجاز عن المعرفة، ولهذا جاء بالفاء في "فتتعرف"، وشبهه بقوله: "كما يختبر الرجل الشيء ويتعرفه، ومنه قوله تعالى: (يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ) [الطارق: ٩] "، أي: تُكشف وتظهر.