(أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ): من يستطيع خلقهما وتسويتهما على الحدّ الذي سويا عليه من الفطرة العجيبة. أو: من يحميهما ويحصنهما من الآفات مع كثرتها في المدد الطوال، وهما لطيفان يؤذيهما أدنى شيء بكلاءته وحفظه، (وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ): ومن يلي تدبير أمر العالم كله، جاء بالعموم بعد الخصوص، (أَفَلا تَتَّقُونَ): أفلا تقون أنفسكم ولا تحذرون عليها عقابه فيما أنتم بصدده من الضلال.
(فَذلِكُمُ) إشارة إلى من هذه قدرته وأفعاله، (رَبُّكُمُ الْحَقُّ) الثابت ربوبيته ثباتاً لا ريب فيه لمن حقق النظر، (فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ) يعنى: أن الحق والضلال لا واسطة بينهما، فمن تخطى الحق وقع في الضلال، (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) عن الحق إلى الضلال، وعن التوحيد إلى الشرك، وعن السعادة إلى الشقاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أو: من يحميهما): عطف على "من يستطيع خلقهما"، فسر (يَمْلِكُ) تارة بالاستطاعة مجازاً، كما فسر أبو حنيفة رضي الله عنه (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً) [النساء: ٢٥]: بمن لم يملك طول الحرة، وأخرى بـ"يحميها ويحصنهما"، لأن في الملك معنى التسلط والغلبة. والأول أوفق؛ ليضم الخالقية مع الرازقية، كقوله تعالى: (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) [فاطر: ٣].
قوله: ((فَذَلِكُمْ) إشارة إلى من هذه قدرته): فهو من باب الإعلام بأن ما قبل اسم الإشارة جدير بما بعده، لما عددت من صفات.
قوله: (يعني: أن الحق والضلال لا واسطة بينهما): يريد أن الاستفهام في قوله: (مَاذَا) للإنكار، يعني: بعد هذا البيان الشافي وإظهار الحق، ما هذا التواني والتقاعد؟ ! وليس ذلك إلا الركوب على متن الباطل ومتابعة الزيغ والهوى، وقوله تعالى: (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) تنبيه على هذا التوبيخ.


الصفحة التالية
Icon