..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولما كان (تُصْرَفُونَ) مطلقاً يحتمل العموم قدر: "عن الحق إلى الضلال، وعن التوحيد إلى الشرك، وعن السعادة إلى الشقاوة"، ثم فرع على هذا الإصرار قوله: (كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا)، أي: حقت عليهم كلمة العذاب، فوضع (الَّذِينَ فَسَقُوا) موضع الضمير للعلية، والدليل على الإصرار ترتب الفسق على عدم الإيمان، ثم عاد إلى ذم آلهتهم وتقبحي عبادتها منهم بقوله: (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ). هذا تقرير الوجه الأخير، وهو أوفق لتأليف النظم.
وأما حل تركيبه: فإنه بنى التشبيه بقوله: (كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ)، تارة على قوله تعالى: (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ)، وأخرى على قوله: (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ)، ثم فرع تفسير "الكلمة" على الأول: بالعلم، وعلى الثاني: بالحكم، وجعل على هذين التفريعين (أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) بدلاً من "الكلمة".
وخص تفسير "الكلمة" بالعدة بالعذاب، على التشبيه الثاني، وجعل (أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) تعليلاً للعدة؛ لأن الحكم بعدم الإيمان لا يصلح أن يكون تفسيراً للعدة، المعنى: كما ثبت صرفهم عن الحق كذلك ثبت الوعد لهم بالعذاب، ويجوز أيضاً: وكما ثبت صرفهم عن الحق كذلك ثبت القول عليهم بالخذلان.
فإن قلت: من أين فسرت "الكلمة" بالعلم تارة، والحكم أخرى؟ قلت: لما قال: "حق عليهم انتفاء الإيمان"، وعطف عليه قوله: "وعلم الله منهم ذلك"؛ على سبيل التفسير، عُلم أن قوله تعالى: (كَلِمَةُ رَبِّكَ) معبر به عن العلم الأزلي، ولا قول ثمة.


الصفحة التالية
Icon