لأنه معجز دونها، فهو عيار عليها، وشاهد لصحتها، كقوله: (هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) [فاطر: ٣١]. وقرئ: "ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب"، على: ولكن هو تصديق وتفصيل. ومعنى "وما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى": وما صحّ وما استقام، وكان محالا أن يكون مثله في علو أمره وإعجازه مفترى.
(وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ): وتبيين ما كتب وفرض من الأحكام والشرائع، من قوله: (كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) [النساء: ٢٤].
فإن قلت: بم اتصل قوله: (لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ)؟ قلت: هو داخل في حيز الاستدراك، كأنه قال: ولكن كان تصديقاً وتفصيلا منتفياً عنه الريب كائنا من رب العالمين، ويجوز أن يراد: ولكن كان تصديقاً من رب العالمين، وتفصيلا منه،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلى المبالغة في انتفاء الافتراء عنه، يعني: كيف يكون كذباً، وهو مما يثبت به الصدق والحق، غذ لولاه لما هرت لكم حقية الكتب المنزلة من قبل، فما كان كذلك كيف يُقال: إنه مُفترى؟ !
قوله: (فهو عيار عليها)، المغرب: "العيار: المعيار الذي يقاس به غيره ويسوى، وعيار الدراهم والدنانير: ما جُعل فيها من الفضة الخالصة أو الذهب الخالص.
قوله: (ولكن كان تصديقاً وتفصيلاً منتفياً عنه الريب كائناً من رب العالمين): قال أبو البقاء: "قوله: (وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى): (هذا) اسم (كان)، و (القرآن) عطف بيان، و (أَنْ يُفْتَرَى) خبر (كان)، أي: ما كان هذا القرآن مفترى، ولكن كان تصديق الذي، أي: مصدق الذي، و"تفصيل الكتاب" مثل (تَصْدِيقَ)، (لا رَيْبَ فِيهِ) يجوز أن يكون حالاً من (الْكِتَابَ)، و (الْكِتَابَ) مفعول في المعنى، ويجوز أن يكون مستأنفا، (مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) يجوز أن يكون حالاً أخرى".


الصفحة التالية
Icon