(إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ) يستقربون وقت لبثهم في الدنيا، وقيل: في القبور، لهول ما يرون، (يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ): يعرف بعضهم بعضاً، كأنهم لم يتفارقوا إلا قليلا، وذلك عند خروجهم من القبور، ثم ينقطع التعارف بينهم لشدّة الأمر عليهم.
فإن قلت: (كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا) و (يَتَعارَفُونَ كيف موقعهما؟ قلت: أما الأولى: فحال من «هم» أي: يحشرهم مشبهين بمن لم يلبث إلا ساعة، وأما الثانية: فإما أن تتعلق بالظرف، وإما أن تكون مبينة، لقوله: (كأن لم يلبثوا إلا ساعة)، لأنّ التعارف لا يبقى مع طول العهد، وينقلب تناكرا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (يستقربون وقت لبثهم): أي: يعدونه قريباً، نحو: استعجب الشيء: عده عجيباً.
قوله: (مشبهين بمن لم يلبث إلا ساعة): قال أبو البقاء: " (كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ) حال، والعامل فيها (يَحْشُرُهُمْ)، و (كان) مخففة من الثقيلة، اسمها محذوف، أي: كأنهم و (مِنْ النَّهَارِ) نعت لـ (سَاعَةً)، (يَتَعَارَفُونَ) حال أخرى مقدرة، والعامل (يَحْشُرُهُمْ)؛ لأن التعارف لا يكون حال الحشر، والعامل في (يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ): اذكر".
وأما المصنف فجعله متعلقاً بالظرف عاملاً فيه، المعنى: يتعارفون يوم يحشرهم، أو عيناً له حيث جعله بياناً للحال، على نحو: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً) [الزخرف: ٣]، وهذا يوافق قول أبي البقاء: " (يَتَعَارَفُونَ) حال أخرى".
قوله: (لأن التعارف لا يبقى مع طول العهد): تعليل لكون الجملة الثانية مبينة للأولى، يعني: في قوله: (كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً) معنى (يَتَعَارَفُونَ)، وذلك أن قرب العهد بين الخلان مما لا يبلى جديدهم، وقد قيل: طول العهد منس، فكان فيها مظنة التعارف، فتبين بقوله: (يَتَعَارَفُونَ) هذا المعنى المبهم فيه، فعلى هذا: الحال غير مقدرة، والمراد باللبث: اللبث في