(بَياتاً) نصب على الظرف، بمعنى: وقت بيات، فإن قلت: هلا قيل: ليلا أو نهاراً؟ قلت:
لأنه أريد: إن أتاكم عذابه وقت بيات، فبيتكم وأنتم ساهون نائمون لا تشعرون، كما يبيت العدو المباغت، والبيات: بمعنى التبييت، كالسلام بمعنى التسليم. وكذلك قوله: (نَهاراً) معناه: في وقت أنتم فيه مشتغلون بطلب المعاش والكسب، ونحوه: (بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ) [الأعراف: ٩٧]، (ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ) [الأعراف: ٩٨].
الضمير في (مِنْهُ) للعذاب، والمعنى: أن العذاب كله مكروه مرّ المذاق موجب للنفار، فأي شيء يستعجلون منه؟ وليس شيء منه يوجب الاستعجال!
ويجوز أن يكون معناه التعجب، كأنه قيل: أي: شيء هول شديد يستعجلون منه؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والجواب وارد على الأسلوب الحكيم، لأنهم ما أرادوا بالسؤال إلا استبعاد أن الموعود من الله تعالى، وأنه صلوات الله عليه هو الذي يدعي أن ذلك منه، فطلبوا منه تعيين الوقت تهكماً وسخرية، فقيل في الجواب: هذا التهكم إنما يتم إذا ادعيت بأني أنا الجالب لذلك الموعود، وإذا كنت مقراً بأني مثلكم في أن لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً، كيف أدعي ما ليس لي بحق؟ ثم شرع في الجواب الصحيح، ولم يلتفت إلى تهكمكم واستبعادهم، فقال: (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ) الآية.
قوله: (لأنه أريد: إن أتاكم عذابه وقت بيات): يعني: عدل عن ظاهر المقابلة، ولم يقل: ليلاً أو نهاراً، ليُعلم أن القصد منهما إلى الوقتين المختصين بالترفه والاشتغال بأمور المعاش، إذ لو قيل: ليلاً أو نهاراً، لم يكن كذلك، فهو مثل قوله تعالى: (بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ) [الأعراف: ٩٧]، (ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ) [الأعراف: ٩٨]، وهو من باب التتميم.
قوله: (كأنه قيل: أي شيء هولٍ شديد): اعلم أن (ماذا) فيه وجهان: أن يكونا اسمين؛ بمعنى: ما الذي، وأن يكون اسماً واحداً؛ بمعنى: أي شيء، والمراد هنا هذا الثاني.
قال أبو البقاء: "في (ماذا) مذهبان: أحدهما: "ما" استفهام، و"ذا" بمعنى "الذي"، وما بعده صلته، فتكون "ما" مبتدأ، والصلة والموصول خبر. والثاني: أن تجعل "ماذا" بمنزلة اسم واحد


الصفحة التالية
Icon