فإن قلت: فهلا قيل: ماذا تستعجلون منه؟ قلت: أريدت الدلالة على موجب ترك الاستعجال، وهو الإجرام؛ لأنّ من حق المجرم أن يخاف التعذيب على إجرامه، ويهلك فزعا من مجيئه وإن أبطأ، فضلا أن يستعجله.
ويجوز أن يكون (ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ) جوابا للشرط، كقولك: إن أتيتك ماذا تطعمني؟ ثم تتعلق الجملة بـ (أرأيتم)، وأن يكون (أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ) جواب الشرط، و (ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ) اعتراضاً.
والمعنى: إن أتاكم عذابه آمنتم به بعد وقوعه حين لا ينفعكم الإيمان،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أريدت الدلالة على موجب ترك الاستعجال): يعني: وضع المُظهر - وهو (الْمُجْرِمُونَ) - موضع الضمير؛ للإشعار بالعلية، وأن من حق المجرم أن يخاف التعذيب.
قوله: (ويجوز أن يكون (مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ) جواباً للشرط): عطف على قوله: "وجواب الشرط محذوف".
اعلم أن جواب الشرط إذا كان محذوفاً: فتقدير الكلام: أخبروني أي نوع من العذاب تستعجلونه، أو أي شيء عظيم تستعجلون منه، ثم قيل تقريراً للإنكار إن أتاكم أمارات ما تستعجلونه، ورأيتم هولها وشدتها، تعرفوا الخطأ فيه. ففي الكلام التفات، ووضع للظاهر موضع المضمر، ثم عطف قوله: (َثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِه) على الجزاء المحذوف، لبُعد ما بين المرتبتين، وأدخل همزة الإنكار بين المعطوف والمعطوف عليه.