أصل الكلام: بفضل الله وبرحمته فليفرحوا فبذلك فليفرحوا، والتكرير للتأكد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال القاضي: "قد جاءكم كتاب جامع للحِكَم العملية الكاشفة عن محاسن الأعمال وقبائحها، والمرغبة في المحاسن، والزاجرة عن القبائح، والحكمة النظرية التي هي شفاء لما في الصدور من الشكوك وسوء الاعتقاد، وهدى إلى الحق واليقين، ورحمة للمؤمنين حيث أنزل عليهم، فنجوا بها من ظلمات الضلال إلى نور الإيمان، وتبدلت مقاعدهم من طبقات النيران بمصاعد من درجات الجنان".
قوله: (ودعاء إلى الحق): تفسير لقوله: (وَهُدًى)، وهو محمول على أن الهدى: مجرد الدلالة؛ ليكون عاماً في جميع الخلق، يدل عليه قوله: "ورحمة لمن آمن منكم"، لأنه خصها بهم.
ويمكن أن يحمل على الدلالة الموصلة إلى البغية، فيختص بالمؤمنين، كقوله تعالى: (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة: ٢]، اختصاص الرحمة بهم لما سبق أن قوله: (وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) على وزان (يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) في تلك الآية، وتكون الإشارة بقوله: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ) إليهما، أي: إلى الهدى والرحمة؛ وضعاً للمظهرين موضع ضميريهما، لأنه خطاب للمؤمنين، بدلالة قوله: (هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ).
قوله: (والتكرير للتأكيد): يعني: إذا جُعلت من باب الحذف على شريطة التفسير كان توكيداً مع التخصيص للتكرير والتقديم، كقوله تعالى: (فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) [العنكبوت: ٥٦]، فالفاء في (فَلْيَفْرَحُوا)، جواب للشرط، كالفاء في (فَاعْبُدُونِ)، فتكون الفاء في (فَبِذَلِكَ) زائدة كما نص عليه المالكي في كتاب "الشواهد"، ومن ثم قدر المصنف في أصل الكلام ثلاث فاءات؛ فالأولى لربط الكلام بما قبله، والثالثة جواب للشرط، فالثانية زائدة.