وكفى بهذه الآية زاجرة زجراً بليغاً عن التجوز فيما يسأل عنه من الأحكام، وباعثة على وجوب الاحتياط فيه، وأن لا يقول أحد في شيء: جائز أو غير جائز؛ إلا بعد إيقان وإتقان، ومن لم يوقن فليتق الله وليصمت، وإلا فهو مفتر على الله.
(يَوْمَ الْقِيامَةِ) منصوب بالظنّ، وهو ظنّ واقع فيه، يعنى: أي: شيء ظنّ المفترين في ذلك اليوم ما يصنع بهم فيه؟ وهو يوم الجزاء بالإحسان والإساءة، وهو وعيد عظيم حيث أبهم أمره. وقرأ عيسى بن عمر: "وما ظنّ"، على لفظ الفعل. ومعناه: وأي ظنّ ظنوا يوم القيامة. وجيء به على لفظ الماضي لأنه كائن فكأن قد كان.
(إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) حيث أنعم عليهم بالعقل، ورحمهم بالوحي، وتعليم الحلال والحرام، (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ) هذه النعمة، ولا يتبعون ما هدوا إليه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (عن التجوز): أي: التساهل والتسامح، وفي الحديث: "كان من خلقه الجواز"، ذكره في "النهاية".
قوله: (ما يُصنع بهم): قيل: "ما" موصولة، وهي مفعول به لـ "ظن المفترين"، فحذف للإبهام، وإليه الإشارة بقوله: "أبهم أمره".
قوله: (حيث أنعم عليهم بالعقل، ورحمهم بالوحي): وقلت: سياق الكلام في الوحي، لأنه تعالى لما عم الخطاب بقوله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ) [يونس: ٥٧]، وفيهم المؤمن والافر، ومن عليهم بإنزال الكتاب الجامع لتلك الصفات، أمر