وسمي بعض القرآن قرآناً، لأنّ القرآن اسم جنس يقع على كله وبعضه (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) إرادة أن تفهموه وتحيطوا بمعانيه ولا يلتبس عليكم؛ (وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آياتُهُ) [فصلت: ٤٤].
"الْقَصَصِ" على وجهين: يكون مصدراً بمعنى الاقتصاص، تقول: قصّ الحديث يقصه قصصاً، كقولك:
شله يشله شللاً، إذا طرده. ويكون «فعلاً» بمعنى «مفعول» كالنفض والحسب. ونحوه النبأ والخبر: في معنى المنبأ به والمخبر به. ويجوز أن يكون من تسمية المفعول بالمصدر، كالخلق والصيد. وإن أريد المصدر، فمعناه: نحن نقص عليك أحسن القصص (بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ) أي: بإيحائنا إليك هذه السورة، على أن يكون (أحسن) منصوباً نصب المصدر، لإضافته إليه، ويكون المقصوص محذوفاً، لأنّ قوله (بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ) مغن عنه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (سمي بعض القرآن قرآناً)، أي: (قُرْآناً) - في (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً) - المراد به السورة، لقوله: "أنزلنا هذا الكتاب"، وسبق أن المراد منه السورة.
قوله: (إرادة أن تفهموه وتحيطوا بمعانيه)، قال القاضي: "أن تفهموه وتستعملوا فيه عقولكم، فتعلموا أن اقتصاصه كذلك ممن لم يعلم القصص معجز لا يتصور إلا بالإيحاء".
وفي التفسيرين خلاف؛ يظهر الفرق من تفسير "مبين" كما سبق، لأن تفسير القاضي موافق للوجه الأول والثاني، وتفسيره للوجه الثالث.
قوله: (ويكون المقصوص محذوفاً)، أي: مفعول (نَقُصُّ) محذوف لدلالة (بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ)، التقدير: نقص الموحى أحسن القصص.