[(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)].
قيل في "الأشدّ": ثماني عشرة، وعشرون، وثلاث وثلاثون، وأربعون. وقيل: أقصاه ثنتان وستون.
(حُكْماً) حكمة؛ وهو العلم بالعمل واجتناب ما يجهل فيه. وقيل: حكماً بين الناس وفقها (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) تنبيه على أنه كان محسناً في عمله، متقياً في عنفوان أمره،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عباده، لا أن يتمتع باللذات، ومن العلم العمل، لا ليجاري به العلماء، ويماري به السفهاء، أو يصرف وجوه الناس إليه، والذي يدل على تأويل العلم بالعمل قوله بعده: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً).
ثم الضمير في قوله: (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ): إما لله عز وجل، فالجملة تذييل، أي: غالب على أمره لا أحد فوقه، يفعل ما يشاء، لا راد لما أراده، وإما ليوسف، فيكون تتميماً لما دبره الله تعالى فيه، وأن العاقبة له، ومعنى مغلوبية الأمر على التمثيل، فإن المغلوب مذلل للغالب، فيتصرف فيه من غير مانع، ولذلك قال: "لا يكله إلى غيره" إلى قوله: "ولم يكن إلا ما أراد الله تعالى"، والأول صريح في مذهب أهل السنة، ولكن أهل الاعتزال لا يعلمون.
قوله: ((حُكْماً) حكمة، وهو العلم بالعمل، واجتناب ما يجهل فيه)، هذا حد الحكمة، ويفهم منه أن الحكمة لا يعبر عنها بمجرد العلم، وأن لابد فيها من اجتناب ما يجهل فيه، أي: ما يعد به جاهلاً، وإن كان عالماً، فإن من علم علماً ولم يعمل بمقتضاه لا يسمى حكيماً، أو عمل ما يضاده عد سفيهاً لا حكيماً، ويعضده ما ذكره المصنف بعيد هذا في قوله: (أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ) [يوسف: ٣٣]، وتمام تحقيقه استقصيناه في سورة لقمان.


الصفحة التالية
Icon