فإن قلت: كيف جاز على نبيّ الله أن يكون منه هم بالمعصية وقصد إليها؟ قلت: المراد أنّ نفسه مالت إلى المخالطة ونازعت إليها عن شهوة الشباب وقرمه ميلا يشبه الهم به والقصد إليه، وكما تقتضيه صورة تلك الحال التي تكاد تذهب بالعقول والعزائم، وهو يكسر ما به ويردّه بالنظر في برهان الله المأخوذ على المكلفين من وجوب اجتناب المحارم، ولو لم يكن ذلك الميل الشديد المسمى هماً لشدّته لما كان صاحبه ممدوحا عند الله بالامتناع، لأن استعظام الصبر على الابتلاء، على حسب عظم الابتلاء وشدته. ولو كان همه كهمها عن عزيمة، لما مدحه الله بأنه من عباده المخلصين.
ويجوز أن يريد بقوله (وَهَمَّ بِها) وشارف أن يهم بها، كما يقول الرجل: قتلته لو لم أخف الله، يريد مشارفة القتل ومشافهته. كأنه شرع فيه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ميلاً يشبه الهم به)، اللام في "الهم" للعهد، وهو راجع إلى هم المرأة، والضمير في "به" راجع إلى يوسف، أي: ميلاً يشبه هم المرأة بيوسف، وكذلك في قوله: "والقصد إليه"، و"كما تقتضيه" معطوف على "يشبه"، أي: ميلاً كما تقتضيه صورة تلك الحالة، وهي أن المرأة البديعة الجمال إذا تهيأت للشاب البالغ حد الكمال في الخلوة، لابد من مجاذبات بين هوى النفس والدين.
قوله: (وهو يكسر ما به)، أي: يوسف يكسر ما يلتبس به ويرده، وهو حال من قوله: "إن نفسه مالت إلى المخالطة".
قوله: (في برهان الله المأخوذ على المكلفين)، وهو قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ) [الأعراف: ١٧٢] الآية، قال المصنف: "إنه تعالى نصب لهم الأدلة على وحدانيته، وشهدت بها عقولهم وبصائرهم التي ركبها فيهم، وجعلها مميزة بين الضلالة والهدى" إلى آخره.


الصفحة التالية
Icon