وكريمةً إلى زهيدة، وصُلبةً إلى رخوة، وصالحة للزرع لا للشجر إلى أخرى على عكسها، مع انتظامها جميعاً في جنس الأرضية، وذلك دليلٌ على قادر مريد، موقع لأفعاله على وجه دون وجه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (إلى زهيدة)، الأساس: "رجل زهيد: قليل الخير، وهو زهيد العين: يقنعه القليل".
قوله: (إلى أخرى على عكسها)، أي: إلى أرض أخرى كائنة على عكس تلك؛ بأن تكون صالحة للشجر لا للزرع.
قوله: (وذلك دليل على قادر مريد موقع لأفعاله على وجه دون وجه)، قال الإمام: "إنه تعالى في غالب الأمر يذكر الدلائل الموجودة في العالم السفلي، ويجعل مقطعها (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) أو ما يقرب منه، والسبب فيه: أن الفلاسفة يسندون حوادث العالم السفلي إلى الاختلافات الواقعة في الأشكال الكوكبية، فأراد الله رد ذلك، قال: (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، يعني: من أمعن التفكر علم أنه لا يجوز أن يكون حدوث الحوادث لأجل الاتصالات الفلكية، ومن ثم عقب هذا الإرشاد بقوله: (وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ) الآية"، ثم قال: "ومن تأمل في هذه اللطائف ووقف عليها، علم أن هذا الكتاب الكريم اشتمل على علوم الأولين والآخرين"، ثم قرر كيفية الاستدلال.
وجاء القاضي بتلخيصه حيث قال: "الأرض بعضها طيبة، وبعضها سبخة، وبعضها رخوة، وبعضها صلبة، وبعضها تصلح للزرع دون الشجر، وبعضها بالعكس، ولولا تخصيص قادر موقع لأفعاله على وجه دون وجه، لم تكن كذلك، لاشتراك تلك القطع في الطبيعة الأرضية وما يلزمها ويعرض لها بتوسط ما يعرض من الأسباب السماوية، من حيث إنها متضامة متشاركة في النسب والأوضاع".