وما عليك إلا الإتيان بما يصح به أنك رسولٌ منذر، وصحة ذلك حاصلة بأية آية كانت، والآيات كلها سواء في حصول صحة الدعوة بها لا تفاوت بينها، والذي عنده كل شيء بمقدار يعطى كل نبى آية على حسب ما اقتضاه علمه بالمصالح وتقديره لها.
(وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) من الأنبياء يهديهم إلى الدين، ويدعوهم إلى الله بوجه من الهداية، وبآية خص بها، ولم يجعل الأنبياء شرعاً واحداً في آيات مخصوصة.
ووجه آخر: وهو أن يكون المعنى أنهم يجحدون كون ما أنزل عليك آياتٍ ويعاندون، فلا يهمنك ذلك، إنما أنت منذر، فما عليك إلا أن تنذر، لا أن تثبت الإيمان في صدورهم، ولست بقادر عليه، (ولكل قوم هاد) قادر على هدايتهم بالإلجاء، وهو الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي تعقيبه بقوله: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ): إيذان بأن الله تعالى بعد الإمهال يعاقبهم عقاباً شديداً، قال القاضي: " (عَلَى ظُلْمِهِمْ) نصب على الحال، والعامل فيه "المغفرة"، والتقييد به دليل على جواز العفو قبل التوبة، فإن التائب ليس على ظلمه، ومن منع ذلك خص "الظلم" بالصغائر المكفرة باجتناب الكبائر، أو أول المغفرة بالستر والإمهال".
قوله: (ووجه آخر، وهو أن يكون المعنى أنهم يجحدون)، عطف على قوله: "لم يعتدوا بالآيات المنزلة"، فعلى الأول: لم ينكروا أن المنزل آيات، بل لم يعتدوا بها، فالكلام إذن في التفرقة بين المعجزات وإثبات الرسالة بها، ولهذا قال: "إنما أنت رجل أرسلت، وصحة ذلك حاصلة بأية آية كانت"، والتنكير في (هَادٍ) للإبهام والشيوع.
وعلى الوجه الثاني: التنكير في (هَادٍ) للتفخيم، ولهذا قال: " (هَادٍ) قادر على هدايتهم بالإلجاء".


الصفحة التالية
Icon