ألا ترى إلى قولهم: فقرته الفواقر؟ وذلك أن الفقار عمود الظهر وقوامه.
[(لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ)].
(دَعْوَةُ الْحَقِّ) فيه وجهان: أحدهما: أن تضاف الدعوة إلى الحق الذي هو نقيض الباطل، كما تضاف الكلمة إليه في قولك: كلمة الحق، للدلالة على أن الدعوة ملابسة للحق مختصة به، وأنها بمعزل من الباطل. والمعنى أن الله سبحانه يدعى فيستجيب الدعوة، ويعطى الداعي سؤاله إن كان مصلحة له، فكانت دعوة ملابسة للحق،......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أي: لو أراد الله عز وجل تحريمها بشق آذانها لخلقها كذلك، فإنه يقول لها: كن، فتكون".
قوله: (فقرته الفواقر)، الجوهري: "أي: كسرت فقار ظهره، الفاقرة: الداهية"، هذا مثال التوهين القوي لانهضام فقار الظهر.
قوله: (فكانت دعوة ملابسة للحق)، الفاء نتيجة لقوله: "المعنى: أن الله سبحانه وتعالى يدعى فيستجيب"، واللام في "لكونه" تعليل لإثبات أن الدعوة لله ملابسة للحق، وذلك أن معنى قوله تعالى: (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ): لله الدعوة الثابتة غير الزائلة، فإذا كان كذلك كانت الدعوة ملابسة للحق البتة، لكونه تعالى حقيقاً بأن يوجه إليه الدعاء، لما في دعوته من النفع، بخلاف آلهتهم التي لا نفع ولا جدوى في دعائها، يؤيده ما بعده: (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ).
قال صاحب "الانتصاف": "قوله: "فإن الله يستجيب الدعاء إذا كان مصلحة، أو معناه: أنه الحقيق أن يوجه إليه الدعاء، بخلاف الأوثان"، قيد استجابة الدعاء برعاية المصلحة، ولا يتقيد بذلك، ولا يجب رعاية المصالح على ما سبق".


الصفحة التالية
Icon