لكونه حقيقاً بأن يوجه إليه الدعاء، لما في دعوته من الجدوى والنفع، بخلاف ما لا ينفع ولا يجدى دعاؤه.
والثاني: أن تضاف إلى الحق الذي هو الله عز وعلا، على معنى: دعوة المدعوّ الحق الذي يسمع فيجيب. وعن الحسن: الحق هو الله، وكلّ دعاء إليه دعوة الحق.
فإن قلت: ما وجه اتصال هذين الوصفين بما قبله؟ قلت: أما على قصة أربد فظاهر، لأن إصابته بالصاعقة محال من الله ومكر به من حيث لم يشعر. وقد دعا رسول الله ﷺ عليه وعلى صاحبه بقوله: اللهمّ اخسفهما بما شئت، فأجيب فيهما، فكانت الدعوة دعوة حق. وأما على الأوّل فوعيد للكفرة على مجادلتهم رسول الله بحلول محاله بهم، وإجابة دعوة رسول الله ﷺ أن دعا عليهم فيهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أن تضاف إلى الحق الذي هو الله تعالى)، هذا مشكل لما يؤدي إلى أن يقال: لله دعوة الله، ويمكن أن يقال: معناه: ولله الدعوة التي تليق أن تنسب وتضاف إلى حضرته، لكونه سميعاً بصيراً كريماً لا يخيب سائله، فيجيب الدعاء.
والحاصل: أن قوله: (الْحَقِّ) وصف جعل علة لاستجابة الدعاء، فإن جعل بمعنى الحق الذي هو خلاف الباطل، فيجب أن يفسر بالمصلحة، لتترتب عليها الإجابة، وإن جعل وصفاً لله تعالى فيجب أن يثبت له وصف يصلح لترتب الإجابة، وهو أن يقال: إنه "المدعو الحق الذي يسمع فيجيب".
قوله: (اتصال هذين الوصفين)، أي: قوله: (شَدِيدُ الْمِحَالِ) و (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ) هما جملتان خبريتان سماهما وصفين لما قبله، وهو قوله: (وَهُمْ يُجَادِلُونَ)، وهو إذا كان حالاً، والمراد بذي الحال: أربد وصاحبه؛ فظاهر، لأن أثر شدة بأس الله واقع، والدعاء قد استجيب فيهم، وإذا كان عطفاً على قوله: (اللهُ يَعْلَمُ) كما سبق- وهو الوجه الأول في تفسيره- فلم يحصل من مقتضى الوصفين شيء، ومن ثم قال: "فوعيد للكفرة على مجادلتهم".


الصفحة التالية
Icon