و (قُلِ اللَّهُ) حكاية لاعترافهم، وتأكيد لم عليهم، لأنه إذا قال لهم: من رب السموات والأرض؟ لم يكن لهم بُدّ من أن يقولوا الله. كقوله: (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) [المؤمنون: ٨٦]، وهذا كما يقول المناظر لصاحبه: أهذا قولك؟، فإذا قال: هذا قولي قال: هذا قولك، فيحكي إقراره تقريراً له عليه واستيثاقا منه، ثم يقول له: فيلزمك على هذا القول كيت وكيت.
ويجوز أن يكون تلقيناً؛ أي: إن كعوا عن الجواب فلقنهم، فإنهم يتلقنونه ولا يقدرون أن ينكروه.
(أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) أبعد أن علمتموه رب السموات والأرض اتخذتم من دونه أولياء، فجعلتم ما كان يجب أن يكون سبب التوحيد من علمكم وإقراركم سبب الإشراك (لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا) لا يستطيعون لأنفسهم أن ينفعوها أو يدفعوا عنها ضرراً، فكيف يستطيعونه لغيرهم وقد آثرتموهم على الخالق الرازق المثيب المعاقب، فما أبين ضلالتكم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (كعوا في الجواب)، الأساس: "كع الرجل وكعكعه الخوف فتكعكع، أي: حبسه فاحتبس".
قوله: (أبعد أن علمتموه رب السماوات)، يريد: أن الفاء في قوله: (أَفَاتَّخَذْتُمْ) سببية مرتبة للكلام الثاني على الأول، وأدخل همزة الإنكار بين المسبب والسبب للتعكيس، كقوله تعالى: (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) [الواقعة: ٨٢]، وهذه الفاء مثل الفاء التي أتى بها في المثال، وهو قوله: "ثم يقول له: فيلزمك على هذا القول: كيت وكيت".
قوله: (من علمكم وإقراركم)، أما علمكم فأنكم تعلمون أنه رب السماوات والأرض، وأما إقراركم فجوابكم إذا سئلتم: من رب السماوات والأرض؟


الصفحة التالية
Icon