وخفي عليهم أن نعيم الدنيا في جنب نعيم الآخرة ليس إلا شيئاً نزراً يتمتع به كعجالة الراكب، وهو ما يتعجله من تميرات أو شربة سويق أو نحو ذلك.
[(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ* الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ)].
فإن قلت: كيف طابق قولهم (لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) قوله: (قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ)؟ قلت: هو كلام يجري مجرى التعجب من قولهم، وذلك أن الآيات الباهرة المتكاثرة التي أوتيها رسول الله ﷺ لم يؤتها نبيّ قبله، وكفى بالقرآن وحده آية وراء كل آية، فإذا جحدوها ولم يعتدّوا بها وجعلوه كأن آية لم تنزل عليه قط، كان موضعاً للتعجب والاستنكار، فكأنه قيل لهم: ما أعظم عنادكم وما أشد تصميمكم على كفركم، (إن الله يضل من يشاء) ممن كان على صفتكم من التصميم وشدّة الشكيمة في الكفر،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في الفرح إلا في قوله: (فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) [يونس: ٥٨]، (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّهِ) [الروم: ٤ - ٥] ".
قوله: (هو كلام يجري مجرى التعجب)، يعني: أن قولهم: (لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) من باب العناد والاقتراح ورد الآيات الباهرة المتكاثرة، وإنما يستحق هذا الكلام بأن يقابل بقوله: ما أعظم كفركم وتصميمكم على الكفر، ومثل هذا التصميم لا يكون إلا بختم الله على القلوب، وإرادة الضلال منكم، ومن يضلل الله فلا هادي له، ما أدل هذه الآية على مذهب أهل السنة.