ثم فسر كيف أرسله فقال: (فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ) أي: أرسلناك في أمة قد تقدمتها أمم كثيرة فهي آخر الأمم وأنت خاتم الأنبياء (لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) لتقرأ عليهم الكتاب العظيم الذي أوحينا إليك (وَهُمْ يَكْفُرُونَ) وحال هؤلاء أنهم يكافرون (بِالرَّحْمنِ) بالبليغ الرحمة الذي وسعت رحمته كل شيء، وما بهم من نعمة فمنه، فكفروا بنعمته في إرسال مثلك إليهم وإنزال هذا القرآن المعجز المصدق لسائر الكتب عليهم (قُلْ هُوَ رَبِّي) الواحد المتعالي عن الشركاء (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) في نصرتي عليكم (وَإِلَيْهِ مَتابِ) فيثيبني على مصابرتكم ومجاهدتكم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله تعالى: (فِي أُمَّةٍ) ليست بصلة لـ (أَرْسَلْنَاكَ)، بل بيان، ليؤذن بالتفسير بعد الإبهام على تفخيم الشأن الذي يقتضيه المقام.
قوله: (لتقرأ عليهم الكتاب العظيم)، والتعظيم مستفاد من وضع (الَّذِي أَوْحَيْنَا) موضع "القرآن"، قال في قوله تعالى: (يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء: ٩]: "في إيهام الموصوف بحذفه من فخامة تفقد مع إيضاحه"، وأتم معنى التفخيم بإيثار صيغة التعظيم.
قوله: (وحال هؤلاء أنهم يكفرون بالرحمن)، يريد: أن قوله: (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ) حال من فاعل (أَرْسَلْنَاكَ)، و"الرحمن" مظهر وضع موضع المضمر لتلك الفائدة التي ذكرها، وهي أنهم يكفرون بالبليغ الرحمة الذي وسعت رحمته كل شيء، المعنى: إنا أرسلنا مثلك إليهم وأنت قائد الأنبياء وخاتمهم لتتلو عليهم مثل هذا القرآن العظيم المعجز المصدق لسائر الكتب؛ ليعبدوني ويوحدوني، وهم مع ذلك بدلوا الشكر بالكفران، ثم إنه تعالى أمره بأن ينبئهم على خاصة نفسه ووظيفته من الشكر، وما آل إليه أمره معهم تأنيباً، فقال: (قُلْ


الصفحة التالية
Icon