[(وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَاتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ)].
(وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً) جوابه محذوف، كما تقول لغلامك: لو أني قمت إليك، وتترك الجواب والمعنى: ولو أن قرآنا (سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ) عن مقارّها، وزعزعت عن مضاجعها، (أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ) حتى تتصدع وتتزايل قطعاً (أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى) فتسمع وتجيب، لكان هذا القرآن لكونه غايةً في التذكير ونهاية في الإنذار والتخويف، كما قال: (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) [الحشرك ٢١].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هُوَ رَبِّي)، أي: العظيم الجامع لأوصاف الكمال الذي أرسلني إليكم، وجعلني خاتم النبيين، وأيدني بذلك الكتاب العظيم الشأن، والبليغ الرحمة الذي كفرتم نعمته: هو ربي، ولا رب لي سواه، وعليه اعتمادي وتوكلي لا على غيره، وإليه متابي ومرجعي، لا إلى غيره، فالضمير جار مجرى اسم الإشارة، وقوله: (لَا إِلَه إِلَّا هُوَ) اعتراض أكد به إيجاب اختصاص التوكل عليه، وتفويض الأمور عاجلاً وآجلاً إليه.
ومثله قوله تعالى: (اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ) [الأنعام: ١٠٦]، قال المصنف: " (لَا إِلَه إِلَّا هُوَ) اعتراض أكد به إيجاب اتباع الوحي"، على أن المفهوم من كلامه أن (لَا إِلَه إِلَّا هُوَ) جار مجرى الحال، ولذلك أوقعه وصفاً لـ (رَبِّي)، حيث قال: "ربي الواحد المتعالي عن الشركاء".
قوله: (لو أني قمت إليك)، أي: لرأيت ما لا تطيقه.