بدّ من البعث وأنه من لوازم التكليف. ووجه آخر: وهو أن يكون المعنى أن الناس يخلقونهم بالنحت والتصوير، وهم لا يقدرون على نحو ذلك، فهم أعجز من عبدتهم أموات جمادات لا حياة فيها، (غير أحياء) يعنى أنَّ من الأموات ما يعقب موته حياة، كالنطف التي ينشئها الله حيوانا، وأجساد الحيوان التي تبعث بعد موتها. وأمّا الحجارة فأموات لا يعقب موتها حياة، وذلك أعرق في موتها (وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) أي وما يعلم هؤلاء الآلهة متى تبعث الأحياء تهكما بحالها، لأنّ شعور الجماد محال، فكيف بشعور ما لا يعلمه حي إلا الحي القيوم سبحانه، ووجه ثالث: وهو أن يراد بالذين يدعون الملائكة، وكان ناس منهم يعبدونهم، وأنهم أموات: أي لا بدّ لهم من الموت، (غير أحياء): غير باقية حياتهم. (وما يشعرون): ولا علم لهم بوقت بعثهم. وقرئ: إيان، بكسر الهمزة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الذي كلفه على عبادته، وهو في الدنيا مفقود كما نشاهد في ظاهر الحال، فلابد من دار الجزاء وبعث الخلق للثواب والعقاب، ثم إذا كان كذلك، لابد للإله من العلم بالكائن الواجب، فنفى عنهم ذلك العلم لتنتفي إلهيتهم، وعليه قوله تعالى: (ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ * إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ) [يونس: ٣ - ٤].
قوله: (ووجه آخر، وهو: أن يكون المعنى)، عطف على قوله: "نفي عنهم خصائص الإلهية".
قوله: (وأنهم (أَمْوَاتٌ)، أي: لابد لهم من الموت، (غَيْرُ أَحْيَاءٍ): غير باقية حياتهم)، اعلم أن المؤلف حين أثبت الموت للأصنام، وكانت جمادات أول توكيده بقوله تعالى: (غَيْرُ أَحْيَاءٍ) بقوله: "أنه غير جائز عليها الحياة"، تنبيهاً على أنها أقل من الحيوان ودون النامي، لجواز إثبات الحياة لهما حقيقة ومجازاً، وحين أثبته للملائكة وجعله مجازاً باعتبار ما يؤول، أكده بما يناسبه من قوله: "غير باقية حياتهم"، كقوله تعالى: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) [الزمر: ٣٠].