[(إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ)].
(إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) يعنى أنه قد ثبت بما تقدّم من إبطال أن تكون الإلهية لغيره، وأنها له وحده لا شريك له فيها، فكان من نتيجة ثبات الوحدانية ووضوح دليلها: استمرارهم على شركهم، وأنّ قلوبهم منكرة للوحدانية، وهم مستكبرون عنها وعن الإقرار بها (لا جَرَمَ) حقا (أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ) سرّهم وعلانيتهم فيجازيهم، وهو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (يعني أنه قد ثبت بما تقدم)، فاعل "ثبت" ضمير يرجع إلى قوله تعالى: (إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ): يريد أن قوله: (إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) فذلكة لما سبق وإعادة للمدعي مجملاً بعد إقامة الحجة عليها مُفصلان المعنى: قد ثبت بالدلائل الدالة على أن الإلهية مختصة بالله تعالى، وأنه واحد متفرد بالألوهية، وهو المعبود الحق، وإذا كان كذلك، فمن حقه أن يختص بالعبادة، وان لا تنكر إلهيته، وهؤلاء عكسوا واستمروا على شركهم وقلوبهم منكرة للوحدانية، فقوله: "أنه قد ثبت بما تقدم" إلى آخر قوله: "وعن الإقرار بها" تفسيرٌ لقوله تعالى: (إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنكِرَةٌ)، فالفاء في قوله: "فكان من نتيجة" هي الفاء في قوله: (فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ)، ومجاز هذه الفاء، كمجاز اللام في قوله: (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً) [القصص: ٨].
قوله: (وهم مستكبرون عنها وعن الإقرار بها)، الراغب: الكبر والتكبر والاستكبار والكبرياء متقارب، فالكبر: الحالة التي يتخصص بها الإنسان من إعجابه، وذلك أن يرى نفسه أكبر من غيره، وأعظم التكبرِ التكبرُ على الله بالامتناع من قبول الحق والإذعان له بالعبادة. ويقال: التكبر على وجهين، أحدهما: أن تكون الأفعال الحسنة كثيرة في الحقيقة وزائدة على محاسن غيره، وعلى هذا وصفُ الله بالمتكبر، فهو محمود، يؤيده قوله تعالى: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) [الأعراف: ١٤٦]. وثانيهما: أن يكون متكلفاً لذلك متشبعاً، وذلك في وصف عامة الناس، في قوله تعالى: (فَلَبِئْسَ مَثْوَى


الصفحة التالية
Icon