من أصناف كفرهم وعنادهم، من شركهم بالله وإنكار وحدانيته بعد قيام الحجج وإنكار البعث واستعجاله، استهزاء منهم به وتكذيبهم الرسول، وشقاقهم، واستكبارهم عن قبول الحق، يعنى: أنهم أشركوا بالله وحرّموا ما أحل الله، من البحيرة والسائبة وغيرهما، ثم نسبوا فعلهم إلى الله وقالوا: لو شاء لم نفعل، وهذا مذهب المجبرة بعينه. (كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي أشركوا وحرموا حلال الله، فلما نبهوا على قبح فعلهم ورّكوه على ربهم (فهَلْ عَلَى الرُّسُلِ) إلا أن يبلغوا الحق، وأن الله لا يشاء الشرك والمعاصي بالبيان والبرهان، ويطلعوا على بطلان الشرك وقبحه وبراءة الله تعالى من أفعال العباد، وأنهم فاعلوها بقصدهم وإرادتهم واختيارهم، والله تعالى باعثهم على جميلها وموفقهم له، وزاجرهم عن قبيحها وموعدهم عليه.
[(وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)].
ولقد أمدّ إبطال قدر السوء ومشيئة الشر بأنه ما من أمة إلا وقد بعث فيهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحوال هؤلاء المشركين وأقوالهم لم تتجاوز عن أفعال الأمم الخالية، ولا عن أقوالهم حذو القُذة بالقذة، ثم بين أن الرسل سلفاً وخلفاً ما قصروا في الإنذار والتبليغ بقوله: (فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) ثم عقب المجمل بالتفصيل بقوله: (ولَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً) تسلية للرسول ﷺ وتحريضاً للقوم على الاعتبار، وأن ينظروا إلى وخامة عاقبة المكذبين وسوء خاتمتهم، وأن لاتذهب نفسه عليهم حسرات، ومن ثم خاطبه صلوات الله عليه بقوله: (إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ) فأين يدخل في الكلام حديث إني لا أقدر الشر ولا أشاؤه.
قوله: (وركوه)، الجوهري: ورك فلان ذنبه على غيره، أي: قرفه به.
قوله: (ولقد أمد إبطال قدر السوء)، يعني: أبطل الله تعالى في قوله: (وَقَالَ الَّذِينَ


الصفحة التالية
Icon