رسولا يأمرهم بالخير الذي هو الإيمان وعبادة الله، وباجتناب الشر الذي هو طاعة الطاغوت (فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ) أي لطف به لأنه عرفه من أهل اللطف و (مِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) أي ثبت عليه الخذلان والترك من اللطف، لأنه عرفه مصمما على الكفر لا يأتي منه خير فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا ما فعلت بالمكذبين حتى لا يبقى لكم شبهة في أنى لا أقدّر الشر ولا أشاؤه، حيث أفعل ما أفعل بالأشرار.
[(إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ)].
ثم ذكر عناد قريش وحرص رسول الله ﷺ على إيمانهم، وعرّفه أنهم من قسم من حقت عليه الضلالة، وأنه (لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ) أي لا يلطف بمن يخذل، لأنه عبث، والله تعالى متعال عن العبث، لأنه من قبيل القبائح التي لا تجوز عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا) إلى آخره، نسبة أفعال السوء إلى قدر الله تعالى، ثم أمد ذلك الإبطال بقوله: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً).
الانتصاف: وجه استدلاله بها أن الله قسم العباد قسمين، والأمر والنهي يرجعان إلى المشيئة، بناء على زعمهم في إنكار كلام النفس، فعنده أن الله شاء أن تعبدوه وشاء أن يجتنبوا الطاغوت، ولم يشأ إشراكهم، ومبنى استدلاله على إنكار كلام النفس، والعجب غفلته عن قوله: (وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ)، كما قال في الأنعام: (فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ) [الأنعام: ١٤٩]، وتقدم هناك ما فيه كفاية.
قوله: (في أني لا أقدر الشر ولا أشاؤه حيث أفعل ما أفعل بالأشرار)، يريد أن النظر في أحوال الأشرار من الهلاك والدمار، يدل على أني ما قدرت الشر فيهم ولا قضيته عليهم، لأني لو فعلت ذلك، ثم عاقبتهم به، لم أكن عادلاً، لكنهم إنما استحقوا ذلك لأنهم هم الذين فعلوا ما استحقوا به الهلاك، وعُلم من قبل أن ما ذكره خارج عن مقتضى المقام.


الصفحة التالية
Icon