وكلما خرجوا تبعوهم فردّوهم: منهم بلال، وصهيب، وخباب، وعمار. وعن صهيب أنه قال لهم: أنا رجل كبير، إن كنت معكم لم أنفعكم، وإن كنت عليكم لم أضرّكم، فافتدى منهم بماله وهاجر، فلما رآه أبو بكر رضي الله عنه قال له: ربح البيع يا صهيب. وقال له عمر: نعم الرجل صهيب، لو لم يخف الله لم يعصه، وهو ثناء عظيم: يريد لو لم يخلق الله ناراً لأطاعه، فكيف وقد خلق! (فِي اللَّهِ) في حقه ولوجهه حَسَنَةً صفة للمصدر، أي لنبو أنهم تبوئه حسنة. وفي قراءة على رضي الله عنه: (لنثوّينهم). ومعناه: أثوأة حسنة. وقيل: لتنزلنهم في الدنيا منزلة حسنة، وهي الغلبة على أهل مكة الذين ظلموهم، وعلى العرب قاطبة، وعلى أهل المشرق والمغرب. وعن عمر رضي الله عنه أنه كان إذا أعطى رجلا من المهاجرين عطاء قال: خذ بارك الله لك فيه، هذا ما وعدك ربك في الدنيا، وما ذخر لك في الآخرة أكثر. وقيل: لنبوّئنهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فكيف)، متعلقة بمحذوف، تقديره: لو لم يخلق الله ناراً لأطاعه، فكيف وقد خلق، أي: لا يُطيع الله لخوف النار فتكون طاعته لأغراض وعلل، والعارف من يطيع الله لله، ومعنى (لو) في الحديث ليس لامتناع الشيء لامتناع غيره، بل لمجرد الفرض والتقدير.
قوله: ((فِي اللَّهِ): في حقه)، أي: الذين هاجروا مخلصين لوجه الله، لا لأمر آخر دنيوي، كقوله صلوات الله عليه: "فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها، فهجرته إليه"، رواه الشيخان وغيرهما.
قوله: (لننزلنهم في الدنيا منزلة حسنة)، يريد أن التبوئة في المكان بمعنى إعطاء المنزلة، فيجوز أن يُستعمل في التمكين في الأرض، نحو: (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ) [الأعراف: ١٠]، ولذلك قال: وهي "الغلبة على أهل مكة" إلى قوله: "وعلى أهل المشرق المغرب"، ولا يبعدُ أن يُقال: إن هذا هو الوعد المذكور في قوله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ) الآية [النور: ٥٥]، والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon