مباءةً حسنة وهي المدينة، حيث آواهم أهلها ونصروهم (لَوْ كانُوا يَعْلَمُون) الضمير للكفار، أي: لو علموا أنّ الله يجمع لهؤلاء المستضعفين في أيديهم الدنيا والآخرة، لرغبوا في دينهم. ويجوز أن يرجع الضمير إلى المهاجرين، أي: لو كانوا يعلمون ذلك لزادوا في اجتهادهم وصبرهم الَّذِينَ صَبَرُوا على: هم (الذين صبروا). أو أعنى الذين صبروا، وكلاهما مدح، أي: صبروا على العذاب وعلى مفارقة الوطن الذي هو حرم الله المحبوب في كل قلب، فكيف بقلوب قوم هو مسقط رؤسهم، وعلى المجاهدة وبذل الأرواح في سبيل الله.
[(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ* بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)].
قالت قريش: الله أعظم من أن يكون رسوله بشراً، فقيل: (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ) على ألسنة الملائكة (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) وهم أهل الكتاب، ليعلموكم أن الله لم يبعث إلى الأمم السالفة إلا بشراً. فإن قلت: بم تعلق قوله (بِالْبَيِّناتِ)؟ قلت: له متعلقات شتى، فإما أن يتعلق بـ (ما أرسلنا) داخلاً تحت حكم الاستثناء مع رجالاً أي: وما أرسلنا إلا رجالاً بالبينات، كقولك: ما ضربت إلا زيداً بالسوط،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (و (الَّذِينَ صَبَرُوا) على: هم الذين صبروا)، أي: (الَّذِينَ صَبَرُوا) واردٌ على: هم الذين صبروا، أو: أعني، كلاهما لإرادة المدح.
قوله: (قالت قريش: الله أعظم من أن يكون رسوله بشراً)، هذا التقرير يقتضيه قوله: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً) من جهة "ما" و"إلا"، لأنهما إنما يتلقى بهما المخطئ المُصرُّ على خطابه، المبالغُ في إنكاره.


الصفحة التالية
Icon