الوحدانية (فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) نقل للكلام عن الغيبة إلى التكلم، وجاز لأنّ الغالب هو المتكلم، وهو من طريقة الالتفات، وهو أبلغ في الترهيب من قوله: وإياه فارهبوه، ومن أن يجيء ما قبله على لفظ المتكلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما بيان النظم فإن قوله: (وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ) الآية، معطوف على قوله: (مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ)، على منوال قوله: "متقلداً سيفاً ورمحاً"، أي: أولم ينظروا إلى ما خلق الله من الدلائل المنصوبة الشاهدة على وحدانية الله تعالى، وأنه لا معبود سواه، وأولم يسمعوا إلى ما قال وأوحاه الله في الكتب المنزلة، من بيان التوحيد، ونفي الشركاء؟
قوله: (وجاز لأن الغائب)، أي: وجاز انقل؛ لأن الغائب في قوله: (إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ) هو بعينه المتكلم في قوله: (فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ)؛ لأن شريطة الالتفات هو الانتقال من إحدى الصيغ الثلاث إلى الأخرى، لمفهوم واحد.
قوله: (وهو أبلغ في الترهيب من قوله: فإياه فارهبون)، لما أنك تجدُ في الانتقال من الغيبة إلى المواجهة هازاً من نفس المخاطب ما لا تجدُ إذا استمررت على لفظ الغيبة.
وقوله: (ومن أن يجيء ما قبله على لفظ المتكلم)، أي: هذا الانتقال والاختلاف أبلغ من أن يُجاء به على سنن واحد، وهو أن يجيء على لفظ الغيبة ما يقال: إنما هو إلهٌ واحدٌ فإياه فارهبون، وأن يجيء ما قبله على لفظ التكلم، كما يقال: إنما أنا إلهٌ واحدٌ فإياي فارهبون. قال صاحب "الفرائد": فائدة الالتفات أن يُعلم أن ذلك الواحد هو المتكلم، لا غيره؛ لأنه لما أفاد قوله: (لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ)، وأفاد قوله: (إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ) الأمر باتخاذ الواحد، وجب أن يبين أن ذلك الواحد هو المتكلم، فعبر عن ذلك بقوله: (فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ).


الصفحة التالية
Icon