[(وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ* ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)].
الإيحاء إلى النحل: إلهامها والقذف في قلوبها وتعليمها على وجه هو أعلم به، لا سبيل لأحد إلى الوقوف عليه، وإلا فنيقتها في صنعتها، ولطفها في تدبير أمرها، وإصابتها فيما يصلحها، دلائل بينة شاهدة على أنّ الله أودعها علماً بذلك وفطنها، كما أولى أولي العقول عقولهم. وقرأ يحيى بن وثاب: (إِلَى النَّحْلِ) بفتحتين. وهو مذكر كالنحل، وتأنيثه على المعنى. (أَنِ اتَّخِذِي) هي (أن) المفسرة؛ لأنّ الإيحاء فيه معنى القول. وقرئ: «بيوتا» بكسر الباء؛ لأجل الياء. و (يَعْرِشُونَ) بكسر الراء وضمها: يرفعون من سقوف البيوت. وقيل: ما يبنون للنحل في الجبال والشجر والبيوت من الأماكن التي تتعسل فيها. والضمير في (يَعْرِشُونَ) للناس. فإن قلت: ما معنى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وإلا فنيقتها)، أي: حُسنُ صُنعها، وعن بعضهم: أي: إن لم يقل: بعلمها وإدراكها، لم يصح؛ لأن نيقتها دليل ظاهر على علمها، فأقام سبب الجواب مقام الجواب، أو يُقال (إنْ) شرطية، ولذلك دخلت الفاء في الجزاء، أي: وإن لم تصدقني على ما ذكرتُ فنيقتها ولطفها وإصابتها دلائل بينة على أن الله تعالى أودعها علماً، أما نيقتها في صنعتها فهي ما ترى في بنائها البيوت المسدسة من أضلاع متساوسة لا يزيد بعضها على بعض، فإنها لو كانت مربعة بقيت فُرجٌ ضائعة عند دخولها فيها، ولو كانت مستديرة بقيت الفرج بين البيوت ضائعة، وأما فطنتها كما أعطى أولي العلم، فهي ما ذكره الإمام: أنلها مقدماً كالرئيس يكون أعظم جثة منها، نافذ الحكم بينها، وأنها إذا نفرت عن أوكارها، ذهبت بأجمعها، ثم إذا أريد عودها ضربوا لها آلات الملاهي والموسيقا، وبواسطة تلك الألحان ترد إلى أوكارها.


الصفحة التالية
Icon