(من) في قوله: (أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ)؟ وهلا قيل: في الجبال وفي الشجر؟ قلت: أريد معنى البعضية، وأن لا تبنى بيوتها في كل جبل وكل شجر وكل ما يعرش ولا في كل مكان منها. (مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) إحاطة بالثمرات التي تجرسها النحل وتعتاد أكلها، أي ابني البيوت، ثم كلى من كل ثمرة تشتهينها، فإذا أكلتها (فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ) أي: الطرق التي ألهمك وأفهمك في عمل العسل. أو: فاسلكي ما أكلت في سبل ربك، أي: في مسالكه التي يحيل فيها بقدرته النور المرّ عسلا من أجوافك ومنافذ مآكلك. أو: إذا أكلت الثمار في المواضع البعيدة من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: ((مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ): إحاطة بالثمرات)، مبتدأ وخبر، أي: هذا اللفظ مفيد للإحاطة العرفية، كقوله تعالى: (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) [النمل: ٢٣].
قوله: (تجرسها النحل)، الجوهري: الجرس: الصوت الخفي، ويقال: سمعت جرس الطير: إذا سمعت صوت مناقيرها على شيء تأكله.
قوله: (من أجوافك ومنافذ مآكلك)، فيه إشارة إلى الخلاف في أن العسل هل يخرج من بطونها أو من منافذ مآكلها كالأفواه؟ قال القاضي: واحتج بالآية من زعم أن النحل تأكل الأزهار والأوراق العطرة فتستحيل في باطنها عسلاً، ثم تقيء ادخاراً للشتاء، ومن زعم أنها تتلقط بأفواهها أجزاء طلية حلوةً صغيرة متفرقة على الأوراق والأزهار وتضعها في بيوتها ادخاراً، فإذا اجتمع في بيوتها شيء كثير منها كان العسل، فسر البطون بالأفواه وكذا عن الإمام، وقال: يُسمى كل تجويف داخل البدن بطناً، ألا تراهم يقولون: بطون الدماغ، والذي يدل على أنها تحاول بما تفعل الادخار، أن صاحبها بعدما يشتار منه يترك لغذائها بقية في بيوتها.


الصفحة التالية
Icon