ولا يستطيع هؤلاء - مع أنهم أحياء متصرفون أولو ألباب - من ذلك شيئاً، فكيف بالجماد الذي لا حس به! فإن قلت: ما معنى قوله: (وَلا يَسْتَطِيعُونَ) بعد قوله: (لا يَمْلِكُ)؟ وهل هما إلا شيء واحد؟ قلت: ليس في (ولا يَسْتَطِيعُونَ) تقدير راجع، وإنما المعنى: لا يملكون أن يرزقوا، والاستطاعة منفية عنهم أصلا؛ لأنهم موات، إلا أن يقدر الراجع ويراد بالجمع بين نفى الملك والاستطاعة للتوكيد، أو يراد: أنهم لا يملكون الرزق ولا يمكنهم أن يملكوه، ولا يتأتى ذلك منهم ولا يستقيم.
[(فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)].
(فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ): تمثيل للإشراك بالله والتشبيه به؛ لأنّ من يضرب الأمثال مشبه حالا بحال وقصة بقصة، (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ) كنه ما تفعلون وعظمه، وهو معاقبكم عليه بما يوازيه في العظم؛ لأنّ العقاب على مقدار الإثم، (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) كنهه وكنه عقابه، فذاك هو الذي وجرّكم إليه وجرأكم عليه، فهو تعليل للنهي عن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ما معنى قوله: (وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ)؟ )، وجه السؤال أن مفعول (وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ) محذوف، وهو الضمير الراجع إلى الرزق، بدليل سياق الكلام عليه، فيلزم عطف الشيء على نفسه. وأجاب: "ليس في (وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ) " أي: لا نسلم اشتماله على الراجع، بل هو مطلق من باب: فلانٍ يُعطي ويمنع، فيكون "فلا يستطيعون" تذييلاً للكلام السابق، ثم قال: "إلا أن يقدر"، أي: ولن سُلم اشتماله على الراجع فيكون من باب التأكيد، نحو قوله تعالى: (لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: ٦] أو من باب الترقي، فإن قوله تعالى: (لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً) دل على نفي مُلك الرزق عنهم مطلقاً، وقوله: (لا يَسْتَطِيعُونَ) على نفي استطاعة أن يكونوا مالكين، وإليه الإشارة بقوله: "لا يملكون الرزق ولا يمكنهم أن يملكوه"، ولا يتأتى ذلك فيهم. ويجوز أن يكون تتميماً.
قوله: (وجرأكم عليه)، الجوهري: الجُرأة: الشجاعة، وتقول: جرأتك على فلان حتى اجترأت عليه.


الصفحة التالية
Icon