ثم علمهم كيف تضرب فقال: مثلكم في إشراككم بالله الأوثان: مثل من سوّى بين عبد مملوك عاجز عن التصرف، وبين حرّ مالك قد رزقه الله مالا فهو يتصرف فيه وينفق منه كيف شاء. فإن قلت: لم قال: (مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) وكل عبد مملوك، وغير قادر على التصرف؟ قلت: أما ذكر المملوك؛ فليميز من الحرّ؛ لأن اسم العبد يقع عليهما جميعا؛ لأنهما من عباد الله. وأما (لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ)؛ فليجعل غير مكاتب ولا مأذون له؛ لأنهما يقدران على التصرف. واختلفوا في العبد: هل يصح له ملك؟ والمذهب الظاهر: أنه لا يصحّ له.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (واختلفوا في العبد: هل يصح له ملك؟ والمذهب الظاهر أنه لا يصح له)، الانتصاف: مالك رحمه الله يرى أنه يملك، والآية تعضده، أي: مملوكاً ليس ممن ملكه سيده فملك، بل هو على أصل الملكة، عاجزٌ، فلو لم يتصور له مُلكٌ، لكان قوله: (لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ) تكراراً، وقوله: "احترازا من المكاتب" بعيدٌ من فصاحة القرآن، إذ لو لم يملك من العبيد إلا مكاتب لكانت إرادته باللفظ إيجازاً مع إخلال لا يليق بالبلاغة. وأنكر إمام الحرمين حمل قوله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة نُكحت بغير إذن وليها" على المكاتبة، لبُعد القصد إليها على شذوذها. وأما المأذون فينبني على القول بان المراد بعدم القدرة عدم المكنة من التصرف أوالملك، وبُعد الأول عن مطابقة قوله: (وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً). ولقائل أن يقول: إن قوله: (لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ) صفة لازمة، كالإيضاح لفائدة ضرب المثل، أي: إنما ضربت المثل به؛ لأن حقيقته اللازمة له المعروفة به أنه لا يقدر على شيء، ومنه: (وَمَنْ


الصفحة التالية
Icon