فإن قلت: (مَنْ) في قوله: (وَمَنْ رَزَقْناهُ) ما هي؟ قلت: الظاهر أنها موصوفة، كأنه قيل: وحراً رزقناه؛ ليطابق عبداً. ولا يمتنع أن تكون موصولة. فإن قلت: لم قيل (يَسْتَوُونَ) على الجمع؟ قلت: معناه: هل يستوي الأحرار والعبيد؟
[(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَاتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَامُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)].
الأبكم: الذي ولد أخرس، فلا يَفهم ولا يُفهم. (وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ) أي: ثقل وعيال على من يلي أمره ويعوله، (أَيْنَما يُوَجِّهْهُ): حيثما يرسله ويصرفه في مطلب حاجة أو كفاية مهم، لم ينفع ولم يأت بنجح، (هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ) هو سليم الحواس نفاع ذو كفايات، مع رشد وديانة، فهو (يَامُرُ) الناس (بِالْعَدْلِ) والخير،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جانب المشبه به، فإنه ترقى من تصرفه كيف شاء إلى كونه آمراً بالعدل، ومن كونه مرزوقاً، إلى كونه مهدياً إلى صراط مستقيم.
قوله: (ولا يمتنعُ أن تكون موصولة) يريد أن الآية من باب التضاد والطباق، فيحتمل من أن تكون موصوفة، كما يُقال: عبداً مملوكاً وحراً مرزوقاً، وأن تكون موصولة، بأن يقال: والحر الذي رزقناه، لكن المطابع ممن رُزق الذوق السليم لا يعرج عنه إليه، وهذا ينظر إلى قول المصنف في قوله تعالى: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ) [البقرة: ٨]: "و"مَن" في (مَنْ يَقُولُ) [موصوفة] إن جعلت اللام للجنس، وإن جعلتها للعهد فموصولة".
قوله: ((هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ) هو سليم الحواس؟ )، يعني: لابد من المقابل بين العدل وما سبق، ولا يأمر بالعدل إلا من يكون موصوفاً بصفات الكمال، وتخصيص المذكورات للتقابل.


الصفحة التالية
Icon